لأننا في عصر السرعة كل شيء يدور ويتحرك سريعاً حتى الأفكار تتغير والمفاهيم تتبدل، ولو نظر المرء في داخله وفيما حوله لوجد أنه يواجه صراعاً مع الزمن ومع ما حوله ومع الأحداث، صراعاً مع قيمه ومبادئه وما تربى عليه وما ناضل من أجله التي تصطدم كثيراً مع الواقع المليء بالفساد والمليء بالأنانية وحب الذات، تصطدم كثيراً مع المعوقات الكبيرة التي لا تمكّن المرء من التمسك بما يمتلك من مُثُل يعتز بامتلاكها فيشعر أنه مقهور في عالم يتكالب فيه القوي على الضعيف والشر على الخير والمتسلط على المغلوب على أمره، عالم يبيع فيه الكثير كل شيء مقابل المصلحة التي قد تصل إلى أن يبيع أخلاقه وكرامته وحتى ذويه وقد يصل به الأمر إلى بيع وطنه. كثيرٌ منا واجه مواقف مماثلة جعلته يواجه تلك القوى التي تدفعك للتخلي عن مبادئك وأهدافك لأجل المصلحة الخاصة، كثيرٌ منا نازعته نفسه كثيراً للانصياع خلف المصلحة الخاصة ضارباً بالجماعة وبالأخلاقيات وبكل شيء جميل عرض الحائط لأجل أن يصبح مثل فلان وعلان وليحظى بما حظي به ذاك وذلك.. لكن الشخص الوحيد الذي يعجز عن ذلك ويعجز عن تلبية نداء الخيانة هو فقط من يؤمن بأنه مهما كان صوت الحق ضعيفاً فإنه سيعلو يوماً ما، ومهما كان الضعف مهيناً فإنه سيصبح عزاً وشرفاً يوماً ما، إنه الشخص الذي يفضّل الموت على أن يلوث سريرته بخيانة واجب أو تجاوز قانون أو تغاضي عن خطأ أو تمرير فساد، إنه المواطن الشريف ومظاهر التعرف عليه ليست صعبة، فهو المغلوب على أمره الذي لا مال لديه ولا سلطة ولا جاه ولا وساطة، الذي ينام ويصحو وهو يطلب من ربه الستر والعافية والرزق الحلال، إنه المواطن الذي كان صخرة تحطمت عليها كل المراهنات، صخرة في وجه التآمر وفي وجه الخيانة، هذا المواطن هو الذي يصنع الوجه المشرق للأجيال القادمة وهو الذي توجه في يوم 21 فبراير إلى صناديق الاقتراع ليدلي بصوته لليمن وليس للأفراد أو للأحزاب، ذهب وقال كلمته نعم للأمن والاستقرار نعم للتوافق نعم لبر الأمان. كلنا ذهبنا لصناديق الاقتراع مؤمنين بضرورة التغيير لكن عبر الطرق المشروعة والعمل الدستوري وهو صندوق الاقتراع، لأن الديمقراطية كانت ولا تزال خيارنا الوحيد ولأن الشعب هو مصدر السلطة والمقرر الأول لمن يقود دفة الحكم. كان 21 فبراير يوم تجسدت فيه الحكمة اليمانية وعظمة القائد حين وصل إلى مبتغاه، فعبر صناديق الاقتراع كان التداول السلمي للسلطة ولا شيء غيرها أوصلتنا إلى هذه النتيجة، وحين سعت طائفة منا إلى الجنوح عن السلم ونهج منهج الفوضى واختارت المقاطعة وسيلة لها عانت اليمن ولمدة عام كامل مأساة تجرع خلالها المواطن ويلاتها ومرارتها في كل منحى من مناحي حياته.. وبعد صولات وجولات جلسوا إلى طاولة الحوار بإشراف دولي وعربي وكان الحوار هو الحل أولاً وأخيراً والحوار هو ما دعا إليه مصدر فخرنا المشير علي عبدالله صالح منذ بداية العام 2010م وحتى اليوم. وفي 21 فبراير توج التاريخ علي عبدالله صالح بتاج العظمة والشرف وخلّد اسمه في أروع صفحاته.. ذلك لأنه قال وداعاً للسلطة وسلّمها لنائبه بروح رياضية، بل ودعا للتعاون مع الرئيس القادم لأنه وكما قال السلطة مغرم لا مغنم. في هذا اليوم ذهبنا للاقتراع قائلين نعم لعبدربه منصور هادي وشكراً لعلي عبدالله صالح.. وبكل الحب والعرفان والتقدير نقول لن ننساك وستظل في العقول والقلوب ومرحباً بك خارج أسوار قصر الرئاسة، لكن إلى داخل أسوار قلوبنا لتسكن فيها محملاً بذكريات الفخر والاعتزاز والحزن والأسى والتحدي والمواجهة والنضال والصمود.. نعم كنا معك في مرحلة من مراحل حكمك ونقول لك في نهاية المطاف كنت رئيساً افتخرنا به وما زلنا وقائداً عظيماً ترك بصماته في كل زمان ومكان رغم أنف الحاقدين والمزيفين. كل الشرفاء وكل الصامتين تحركوا نحو صناديق الاقتراع لأن الأمن مطلبهم والتنمية غايتهم والاستقرار مبتغاهم. في 21 فبراير صنع اليمنيون نهاية رائعة لعام حزين وقصة مؤلمة عاشها شهوراً خرج منه الجميع رابحاً ومتوافقاً وخرج فيها مصمماً على خيار واحد لا بديل له وهو الأمن والاستقرار، خرج لأنه وجد حقيقة أكيدة ترسخت خلال عام كامل ورويت بدماء كل اليمنيين، وهي أن اليمن أغلى وأن اليمن أولاً وأخيراً وأنه مهما اختلفنا فبناء اليمن لن يتم سوى إذا كنا معاً. تحية من القلب عاجزة كل حروف العالم وكل لغات التاريخ أن تصوغ فيه ما يعتمل في القلب من مشاعر فياضة لباني اليمن ومؤسس وحدته فخامة الرئيس علي عبدالله صالح (حفظه الله)، لكن الشيء الذي أستطيع أن أقوله هو أن الوفاء هو المعنى البارز فيها.. وتحية لوطني الغالي اليوم وهو يعيش أبهى صور الجمال وسيظل دائماً وأبداً (اليمن في قلوبنا).