كانت الثورة الشبابية الشعبية قد بدأت في المحافظات الجنوبية فقط قبل انفجار ما وصف بثورات الربيع العربي التي بدأت شرارتها الأولى في تونس، ولذلك كان ثوار الجنوب يطالبون بحل القضية الجنوبية وإن كانت في الحقيقة ليست إلاّ جزءاً لا يتجزأ من القضية اليمنية التي تم اختزالها من أجل تجاوز تشعباتها وتراكماتها التاريخية والحضارية بقضية الوحدة. ومرد ذلك إلى أن اعتقاداً ساد في أوساط الشعب اليمني في الشمال وفي الجنوب بأن ثورة سبتمبر 1962م قد أسقطت النظام الإمامي المستبد الذي قام على أساس تقسيم اليمن مذهبياً وتسلط مذهب على الآخر. والاعتقاد أيضاً بأن ثورة أكتوبر 1963م حققت الاستقلال عن الاستعمار البريطاني وحررت أبناء اليمن في الجنوب من حكم السلاطين الاستبدادي. وكان الثوار وغالبية القوى الوطنية وأبناء الشعب يعتبرون ما حدث في أكتوبر وسبتمبر يمثل ثورة واحدة شارك فيها أبناء الشعب كله هنا وهناك وان انفجار الثورة بشرارتين في الشمال ثم في الجنوب إنما فرضه واقع الحال التشطيري. لكن لم تخلو الساحة السياسية من قوى وأفراد شماليويين وجنوبيون لأسباب أو مصالح تخصهم كانوا يصرون على أن ثورة سبتمبر هي الأم وأن أكتوبر مولودتها مع أن الفارق في الزمن لا يتجاوز العام وأيام قليلة كحد أعلى، ووراء ذلك أكثر من هدف ومنها إما إعاقة الوصول إلى هدف تحقيق الوحدة أو فرض إلحاق الجنوب بالشمال في حالة قيام الوحدة كما حصل نتيجة حرب 1994م بعد إعلان قيام الوحدة وأصحاب هذه الرؤيا في الغالب الأعم هم قوى وعناصر شمالية ذات نفس وميول طائفية مذهبية من مخلفات عهد الإمامة المباد وهم إما من سلالة إمامية تزعم حقاً لها في الحكم. أو ممن خدموا الإمامة وخاصة في المؤسسة العسكرية. وبالمقابل هناك قوى وعناصر جنوبية إما من أحفاد السلاطين أو الموالين لهم أو من المتطرفين مذهبياً أو سلالياً وهم قلة قليلة كانوا ولا زالوا يصرون على ان الثورتين لا صلة بينهما بل ويذهب البعض إلى أن يقتصر في وصف الثورة على أكتوبر ويعتبر سبتمبر مجرد انقلاب على حكم الإمام وليس ثورة. ومثل هؤلاء القلة وحدهم كانوا رافضين لقيام الوحدة اليمنية ويصرون على الانفصال حالياً، وهذا قد يكون مجرد فصيل من فصائل الحراك وأغلب الظن أن الفصيل المسلح والذي يستخدم وسائل العنف لتحقيق أهدافه. وعندما انطلقت الثورة الشبابية الشعبية في المحافظات الشمالية مطالبة بإسقاط نظام صنعاء الفاسد ورموزه وهم قوى الردة والتخلف ومن أهدافها الرئيسية إلى جانب ذلك حل القضية الجنوبية ورد الاعتبار لجوهر الوحدة من خلال رد الحقوق ورفع الظلم عن أبناء الجنوب وقيام دولة مواطنة مدنية مؤسسية وعادلة سرعان ما توحدت ثورة أبناء الجنوب وثورة أبناء الشمال فصارت ثورة واحدة أهدافها موحدة مع أولوية للقضية الجنوبية. إلا أن عوامل داخلية وإقليمية ودولية فرضت على الجميع التوازي بين مسار الثورة الواحدة والمسار السياسي فاستغلت قوى الردة والتخلف هذا التطور ودفعت في اتجاه تقسيم الثورة أو تشطيرها إلى جنوبية وشمالية بهدف العودة إلى أوضاع ما قبل الوحدة بل والعودة إلى قبل ثورتي سبتمبر وأكتوبر. وقد لوحظ كيف أن فصيل الحراك المسلح ومن ورائه عناصر من قوى نظام صنعاء ممن يحسبون على قوى الردة الإمامية والمذهبية لم تكشف بعد، لجأوا إلى محاولة إفشال عملية التصويت لاختيار الرئيس التوافقي عبد ربه هادي، وبالمثل فعل المتمردون الحوثيون في المناطق التي يسيطرون عليها كصعدة وغيرها من المناطق المجاورة. وبرغم كل هذه التطورات لازال اعتقادنا بأن غالبية الوحدويين وأصدقهم رغبة في الوحدة هم من أبناء الجنوب بل ومن أغلبية فصائل الحراك وإن اضطروا إلى رفع شعارات الاستقلال أو الفدرالية وأن ضمان استمرار الوحدة كان منذ البداية وحتى لحظة كتابة هذا المقال يتوقف على صدق النوايا وجدية الحرص على الوحدة من قبل القوى السياسية وبخاصة قوى النفوذ القبلية والعسكرية والسياسية في الشمال عموماً وفي صنعاء وشمال الشمال بوجه خاص. وإثبات الجدية وحسن النية بل والصدق مع الوحدة يتطلب التنازل عن نظام صنعاء الموروث عن حقبة التشطير وإلى حد ما عن حقبة الإمامة، وذلك بنفس الأسلوب الحقيقي والفعلي الذي أقدم عليه الحزب الاشتراكي بما في ذلك اختيار عاصمة جديدة لدولة الوحدة. وليس المهم أن نتوافق على أن يكون الرئيس من الجنوب ورئيس الوزراء أو حتى كل الوزراء والقادة، لأن الثورة لا تريد أن تنقلنا من تسلط مذهب إلى تسلط مذهب آخر ولا من نفوذ مشائخ قبلية شمالية إلى نفوذ مشائخ سلاطينية جنوبية ولا من تسلط قروي فئوي شمالي إلى آخر جنوبي. وإنما الهدف أن نحترم التعدد القبلي والمذهبي وتحييد نفوذهما عن النظام وسلطته، وأن تقوم دولة النظام والقانون التي أساسها المواطنة المتساوية. ولنا أسوة حسنة برسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم عندما أختار المدينةالمنورة عاصمة لدولته العظيمة ولم يختر مكة عاصمة وبذلك تجنب الإلغاء أوالالحاق. زد على ذلك أنه قال صلوات الله وسلامه عليه بما معناه خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام لنقول نحن خيارنا في النظام القبلي الطائفي، سيظلون خيارنا في النظام المدني الجديد. ولنا أن نرفض خيار عدن العاصمة الشطرية لأننا نرفض إلغاء الآخر الإسلامي أو القبلي لنكرس نظام الحزب الواحد والايديولوجية الاشتراكية أو غيرهما، وكذلك لنا أن نرفض صنعاء أيضاً العاصمة الشطرية لأننا نرفض إلغاء الآخر الجنوبي، أو الآخر المذهبي لنكرس النفوذ القبلي أو العسكري أو القروي أو الأسري أو خليط من كل ذلك فيتجسد الفساد بعينه وهذا ما عانيناه طوال الفترة الماضية ومنذ قيام ثورة سبتمبر 1962م. فلا تضعوا أبناء شعبنا أمام خيارات قوى الردة والتخلف فتتسببون في تقسيم وتشطير أغلى وطن وتفجروا الفتن والحروب عن قصد أو عن جهالة والعياذ بالله. نأمل أن يعقد الحوار الوطني الجامع بنوايا صادقة وجدية حقيقية لنضمن حل القضية اليمنية برمتها.