الجنوب يفكّك مخططا تجسسيا حوثيا.. ضربة جديدة للمليشيات    أمطار رعدية تعم 20 محافظة يمنية خلال الساعات القادمة.. وصدور تحذيرات مهمة    لحظة بلحظة.. إسرائيل «تضرب» بقلب إيران وطهران: النووي آمن    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    مسيرة الهدم والدمار الإمامية من الجزار وحتى الحوثي (الحلقة الثامنة)    مليشيا الحوثي تحاول الوصول إلى مواقع حساسة.. واندلاع مواجهات عنيفة    السعودية تطور منتخب الناشئات بالخبرة الأوروبية    الشباب يكتسح أبها.. والفتح يحبط الرائد بالدوري السعودي    بالصور: متناسيا أزمته مع الاتحاد السعودي.. بنزيما يحتفل بتأهل الريال    العثور على جثة شاب مرمية على قارعة الطريق بعد استلامه حوالة مالية جنوب غربي اليمن    طعن مغترب يمني حتى الموت على أيدي رفاقه في السكن.. والسبب تافه للغاية    استدرجوه من الضالع لسرقة سيارته .. مقتل مواطن على يد عصابة ورمي جثته في صنعاء    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    مركز الإنذار المبكر يحذر من استمرار تأثير المنخفض الجوي    إنهم يسيئون لأنفسم ويخذلون شعبهم    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    نقطة أمنية في عاصمة شبوة تعلن ضبط 60 كيلو حشيش    إيران تغدر بحماس وتطعنها وراء ظهرها.. صفقة إيرانية أمريكية لاجتياح رفح مقابل عدم ضرب إيران!    طاقة نظيفة.. مستقبل واعد: محطة عدن الشمسية تشعل نور الأمل في هذا الموعد    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    الدوري السعودي ... الشباب يكتسح ابها بخماسية    "لا حل إلا بالحسم العسكري"..مقرب من الرئيس الراحل "علي صالح" يحذر من مخيمات الحوثيين الصيفية ويدعو للحسم    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة الى 33.970    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    لجنة الطوارئ بمأرب تباشر مهامها الميدانية لمواجهة مخاطر المنخفض الجوي    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    مصرع وجرح عدد من العناصر الإرهابية على يد القوات الجنوبية بوادي عومران    انطلاق أعمال الدورة ال33 للمؤتمر الإقليمي لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) لأفريقيا    سقوط 9 مدنيين في الحديدة بسبب الألغام ومخلفات الحرب خلال مارس الماضي مميز    الرئيس: مليشيا الحوثي تستخدم "قميص غزة" لخدمة إيران ودعم الحكومة سيوقف تهديداتها    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    دراسة: اقتصاد العالم سيخسر 20% بسبب التغيرات المناخية    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    دوري ابطال اوروبا ... ريال مدريد يطيح بمانشستر سيتي ويتأهل لنصف النهائي    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تراث الجنوب وفنه يواجه.. لصوصية وخساسة يمنية وجهل وغباء جنوبي    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    تخيل أنك قادر على تناول 4 أطعمة فقط؟.. شابة مصابة بمرض حيّر الأطباء!    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عدن رئة الثورة اليمنية .. والوحدة الوطنية ثمرة للنضال الوطني المشترك
نشر في الجمهورية يوم 14 - 10 - 2012

اتسم تاريخ اليمن الحديث بمسيرة كفاح ونضالِ في سبيل تحقيق الوحدة اليمنية وبناء المجتمع الديمقراطي الحضاري، وإخراج البلاد من نفق التخلف والفقر والمرض والاستبداد الرجعي والاستعماري، إلى رحاب الحضارة والتقدم والحرية والكرامة.. وتعد الوحدة الوطنية من أبرز الأهداف التي ناضلت من أجلها الحركة الوطنية اليمنية المعاصرة، مستلهمة برامجها ومستمدة قوتها من الوحدة الأبدية لشعبنا اليمني على مر العصور، كحقيقة لا يمكن الاختلاف عليها.
واكتسبت الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر بُعداً تاريخياً يجسد الأفق الوطني الشامل في الدفاع والمقاومة وتغيير الموازين لصالح تحرير الوطن من الكهنوت والاستعمار انطلاقاً من واحدية الهوية الوطنية والتاريخ والجغرافيا والمصير المشترك للإنسان اليمني في شمال الوطن وجنوبه.
والحديث عن واحدية الثورة والنضال المشترك ضد الحكم الإمامي أو الاستعمار البريطاني يقتضي بيان الأرضية الصلبة التي قام عليها هذا التعاون والصلة الوثيقة التي قاومت كل المشاريع التآمرية لتجزئة الجسد الواحد وتفكيك أجزائه والنيل من مقدراته، والتي لاتزال مستمرة حتى الآن.
الوحدة والهوية المشتركة قديماً وحديثاً
منذ بداية التاريخ السياسي لليمن في القرن العاشر قبل الميلاد حيث ظهر أول كيان سياسي لدولة (سبأ) وظهور بعض الدويلات مثل معين وقتبان وحضرموت وأوسان كتكوينات سياسية ترتبط بالدولة السبيئة حيناً وتنفصل عنها حيناً آخر، ومروراً بانتكاس الوحدة السياسية قبل الإسلام نتيجة للتطرف الديني اليهودي لآخر ملوك الدولة الحميرية “ ذو نواس الحميري، والغزو الصليبي الحبشي، والحملة الفارسية التي استنجد بها سيف بن ذي يزن الحميري، ظلت اليمن دولة واحدة تتجاذب أطرافها مطامع المستعمرين والصّراع السّياسي الديني بين معتنقي اليهودية والنصرانية من اليمنيين وبين الدول الداعمة لتلك الصّراعات (الروم والفرس) إلى أن انتشر الدّين الإسلامي وانضوى اليمنيون تحت لوائه، وحكم صنعاء “باذان” ودخل الناس في دين الله أفواجاً، فكانت جزءاً من الدولة الإسلامية وعاصمتها المدينة المنورة.
ويؤكد المؤرخون أن اليمن حقق وحدة سياسية لكامل ترابه في التاريخ القديم خلال ثلاث فترات الأولى حينما استطاع الملك الكامل علي بن محمد الصليحي أن يوحّد اليمن وعمان والحجاز تحت حكمه، ورغم أنّ مدة حكمه لليمن لم تتجاوز العشرين عاماً 439 459ه إلاّ أنّ الدولة الصليحيّة التي أسسها استمرّت على درجات مختلفة من القوّة والضّعف حتّى وفاة السيّدة أروى بنت أحمد الصليحي عام 532ه، والوحدة الثانية في عهد الدولة الرسولية (628-858ه)، والوحدة الثالثة في عهد الدولة القاسميّة المتوكليّة حينما سيطرت الدولة القاسميّة على كامل التّراب اليمني طوال مائة عام (1045-1145ه)، إلا أن الضّعف دبّ في تلك الدولة وعاد التمزّق للوحدة السياسية اليمنية حين انفصلت عدن ولحج وأبين عن الدولة القاسميّة في عام 1145ه وحتّى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في ال 22 من مايو 1990م.
وعندما قامت الدولة الكثيرية بزعامة السلطان بوطويرق 844 915ه /1438 1510م ، كانت اليمن في هذه الفترة موزعة بين ثلاث قوى ، الأتراك في الجهات الغربية والأئمة من بيت شرف الدين في الجهات الشمالية وآل كثير في حضرموت.
الإمامة والاستعمار
شهدت اليمن عدداً من المحاولات الاستعمارية التي بدأت بالقرن السادس عشر، وتمكنت بريطانيا وخلال محاولات عدة للسيطرة على اليمن من توقيع معاهدة مع سلطان لحج أحمد عبد الكريم 1802م وقعها عن الجانب البريطاني “ سيرهوم بويهام” ممثلاً لشركة الهند الشرقية، واحتلت بريطانيا عدن في عام 1839م هادفة تأمين مصالحها في المنطقة ولما يمثله ممر البحر الأحمر وطريق هرمز من أهمية، إلى جانب أن الهند كانت المركز الرئيسي للمستعمرات البريطانية في العالم، فضلاً عن مساعيها لبناء قاعدة عسكرية واقتصادية تستطيع من خلالها توسيع إمبراطوريتها الاستعمارية، حيث اتّبعت بريطانيا أساليب مختلفة للسيطرة على الإمارات والمشيخات في المناطق الجنوبية، من خلال ما يسمّى بمعاهدة السّلام والصّداقة وتوقيع اتفاقيّات الحماية ومعاهدة الاستشارة التي تعني إحكام قبضة بريطانيا على مناطق الجنوب، وتوالت توقيع تلك المعاهدات مع السلاطين والمشائخ والتي بلغت نحو 31 معاهدة وكان آخرها مع السلطان علي عبد الكريم فضل سلطان لحج في عام 1952م حيث قامت بريطانيا بإنشاء اتحاد فيدرالي للجنوب العربي في فبراير 1959 بدءاً بالست الإمارات الغربية ثم إمارات المنطقة الشرقية ليصبح الاتحاد مكوّناً من ثماني عشرة إمارة ومشيخة، إلا أن عدن بقيت خارج الاتحاد حتى 25 سبتمبر 1962 حين تمّ التصويت على انضمامها للاتحاد.
كما أن العثمانيين لم يغفلوا أهمية موقع الجزيرة العربية لاحتضانها مقدسات إسلامية وما تمثله من مكانة كبيرة لدى المسلمين في كل بقاع العالم الأمر الذي يسهل من خلال السيطرة عليها التحكم في مشاعر كل المسلمين في شتى بقاع الأرض فبدأوا حملتهم الأولى على اليمن عام 945 ه/ 1538م لأهمية موقع اليمن الإستراتيجي المطل على البحر الأحمر وبحر العرب في حسم صراعهم كقوة دولية مع القوة البرتغالية البحرية المتنامية في المحيط الهندي وبحر العرب حيث تم جلاؤهم من اليمن عام 1045ه/ 1635 م ليعودوا عام 1266 ه / 1848 م، واتخذوا جبال اليمن منطلقاً للتوسع والتمدد حتى تمكنوا من احتلال صنعاء 1872م وبقية المناطق الأخرى.
- ونتيجة للممارسات الخاطئة التي مارسها العثمانيون في اليمن فقد كانت سبباً لتذمر القبائل والتفافهم حول الأصوات المنادية بجلاء العثمانيين وظهرت العديد من الانتفاضات المناوئة للأتراك ومنها ثورة محمد علي الإدريسي ضد الأتراك 1910م في بلاد تهامة عسير الممتدة من منطقة البرك إلى مدينة الحديدة وعاصمتها “صبيا” من خلال تحالفه مع الإيطاليين والإنجليز الذين مكنوه من حكم الحديدة مكافأة له لمناوءة الأتراك وهو ما أثار ردود أفعال لدى أبناء تعز والحواشب وإب وغيرها من مناطق اليمن للالتفاف حول علي سعيد باشا في العام 1915م والقيام بثورة ضد البريطانيين في الجنوب تمكنوا خلالها من تحرير الضالع ولحج والشيخ عثمان واحتفظ الاستعمار البريطاني بسيطرتهم على عدن القديمة “كريتر”.
- وكان الإمام يحيى حميد الدين أبرم صلحاً مع العثمانيين عرف باتفاق صلح دعان 9 أكتوبر1911م لم يتحرر من قيوده إلا بعد أن اضطر العثمانيون الانسحاب من اليمن 1917م واستدعائه من أعالي جبال شهارة وتسليمه مقاليد الحكم في صنعاء، وجاءت اتفاقية لوزان في 24/7/1923 لتؤكّد حق الإمام يحيى في إدارة ممتلكات الدولة العثمانية في اليمن، ووضعت أوّل خارطة لولاية اليمن والحديدة وتعز، والتي يحدّها غرباً البحر الأحمر وشمالاً الحجاز وشمال شرق نجد الذي يتبع ولاية البصرة وجنوباً المحميّات التي كانت محل نزاع بين الأتراك والبريطانيين ثمّ الإمام يحيى والبريطانيين.
وقد سعى الإمام يحيى للسيطرة على محمية عدن الغربية 1920م التي كانت تضم الضالع، والعلوي، والشعب، ويافع السفلى، والعواذل، وجزءاً من الصبيحة إلا أن السلاح الجوي البريطاني ظل يطارد أعوان الإمام، وفي 11 فبراير 1934 وقعت اليمن معاهدة الصّداقة والتعاون مع البريطانيين التزم خلالها الإمام يحيى بسحب قواته من العواذل والضالع وبقية مناطق المحمية الغربية بما فيها البيضاء، وتضمنت اعتراف بريطانيا باستقلال اليمن وبالإمام يحيى ملكاً عليه، وبقاء الحال بالنسبة للمناطق الخاضعة للحماية البريطانية على ما هو عليه إلى أن تجرى مفاوضات ودّيّة، و حددت فترة المعاهدة بأربعين عاماً.. ووفقا للباحثين والمؤرخين فإن سعي بريطانيا لإنشاء اتحاد الجنوب العربي استمر وخاصة منذ العام 1962م رغم قراري الأمم المتحدة الصادرين بهذا الشأن برقم (1514)”15” في 14 ديسمبر 1960 وبرقم (1954)”16” في 27 نوفمبر 1961 واللذين يقضيان بإنهاء الاستعمار الأجنبي ومنح الاستقلال لكافة الأقطار والشعوب غير المستقلّة في أي مكان من العالم وبإنهاء حالات الطوارئ وإخلاء سبيل كافّة الموقوفين وإجراء انتخابات فيها على أساس حق الاقتراع لجميع البالغين كخطوة نحو الاستقلال التام.
إلاّ أنّ بريطانيا واصلت دعمها لإنشاء دولة الجنوب العربية وبالتالي فصل المنطقة الجنوبية الشرقية عن الوطن الأم.
ويشير المؤرخون إلى أن عدن كانت ملجأ للعلماء من الشمال والشرق والغرب وكانت تمتاز بحرية الملكية والتنقل، كما أن المعاهدات بين وزارة المستعمرة البريطانية وسلاطين الجنوب كانت تشترط عدم أحقية البريطانيين في التدخل في الأمور التي تقضي فيها المحاكم الشرعية الإسلامية، إلى جانب أن الأوقاف كانت تسجل رسمياَ ويورد ريعها إلى بيت مال المسلمين وكانت حاصلات الأراضي التي تتبع الأوقاف في سلطنة لحج تتبع مصلحة الواجبات الإسلامية في مدينة تعز.
وقد ساعدت الحركة التجارية النشطة في مدينة عدن إلى جانب النهضة الثقافية أن تكون قبلة للأحرار من الشطر الشمالي الذين يستجيرون بالمدينة من نار الإمام وسطوته، وشهدت مرحلة الأربعينيات نضوجاً للحركة الوطنية ومشاهد رائعة لتعاضدها وواحديتها بين الشطرين إذ استُقبل الزبيري والنعمان استقبالاً حاراً حينما قصدا عدن 1944م ومدت لهم يد العون لاستمرار مسيرتهم النضالية، وفتحت لهم صحيفة (فتاة الجزيرة) صفحاتها للتعبير عن آرائهم وتطلعاتهم، إلى جانب ما لاقوه من ترحيب من الجمعيات والنوادي التي تمخض في جدرانها أفكار ورؤى ساهمت في الدفع بمسيرة الحركة الوطنية حتى تم الاتفاق على إعلان حزب الأحرار اليمنيين في يونيو 1944م، إلا أن الاستعمار البريطاني سعى إلى الحد من تزايد نشاط الثوار خشية دخوله في خلاف مع الإمام يحيى مما أخمل اتقاد الثوار حتى انتهت الحرب العالمية الثانية وتجدد حماس الثوار والتفوا حول بعضهم ليعلنوا (الجمعية اليمانية الكبرى في عدن) عام 1946م وصدر عنها صحيفة (صوت اليمن)، وشهدت الحركة الوطنية تنامياً مستمراً حتى اندلعت ثورة 1948م الدستورية وأطاحت بالإمام يحيى حميد الدين واستمرت ثلاثة أسابيع حين تمكن نجله أحمد من إخمادها ومحاصرة صنعاء واستعادة زمام الحكم.
القضية اليمنية بمنظور شمولي
وشهدت الخمسينيات بروز مرحلة جديدة للنضال الوطني ساهم في اتساع أفقها النشاط الإعلامي وصدور عدد من الصحف والمجلات من عدن كانت تعالج القضية اليمنية بمنظور شمولي يستهدف تحرير الوطن من الإمامة والبريطانيين كهمِ مشترك، وكان للمتغيرات التي شهدها الوطن العربي وأبرزها ثورة يوليو 1952م المصرية بالغة الدلالة في تغيير مسار أفكار النضال الوطني وإزاحة مساعي ترميم النظام إلى خلعه واقتلاعه كلياً وبرزت النقابات والمنظمات العمالية التي تطالب بتحرير الجنوب من الاستعمار والشمال من الإمامة وقيام الوحدة الوطنية على أساس وطني وديمقراطي وحضاري.
وقد دل على التحول الكبير في فكر الحركة الوطنية تذمر الثوار من حركة 1955م في اليمن وعدم قبولهم بما تضمنته من مشروع يستبدل صنماً بآخر، كما أن عدداً من الدول المساندة لمسار التحرر العربي لم تبارك هذا الانقلاب، ومنها مصر والجامعة العربية وغيرها من الدول على اعتبار أن الحركة أو الانقلاب امتداداً للتخلف وارتباط اليمن بأمريكا، وفي الجنوب شهدت عدن حراكاً تجارياً واقتصادياً، ورافقه نشاط سياسي وإعلامي من خلال المنظمات والأحزاب التي نشأت والصحف التي أصدرت بيد أن المناوئة للاستعمار الأجنبي لم تكن تتسم بوحدة المطالب حيث انبرى البعض إلى التركيز على المطالبة بجعل اللغة العربية هي الرسمية ومحاربة الهجرة الأجنبية وإعطاء المواطن المحلي حقه من الوظائف خصوصاً في أواخر الأربعينيات والنصف الأول من عقد الخمسينيات، وإزاء هذه التحركات قام البريطانيون بإنشاء المجلس التشريعي في عدن 1947م “المعين” وسن القانون الذي اعترف بحرية التجمع الأمر الذي دفع الأحرار إلى إنشاء تنظيم سياسي يسمى ب “ الجمعية الإسلامية الكبرى” عام 1949م يضم رجال دين ومثقفين أمثال الشيخ محمد سالم البيحاني وغيره.
وبحسب المؤرخين والباحثين فإن العناصر الارستقراطية في عدن شعرت بمخاطر نشوء هذه التنظيمات ذات الأفق الأشمل فقاموا بتأسيس الجمعية العدنية عام 1950م تحت شعار “عدن للعدنيين” حظيت مبادئها بمباركة ودعم بريطانيا خصوصاً وأنها كانت تطالب بفصل عدن عن جنوب الجزيرة العربية ومنحها الإدارة الذاتية، ومن ثم إدخالها تحت إطار دولة الكومنولث البريطاني، وضمت محمد علي لقمان وحسن علي بيومي وعلي محمد لقمان وتحولت إلى حزب المؤتمر الشعبي عام 1954م، وانفصل تيار من داخل الحزب عام 1957م يشمل عبد الرحمن جرجره وحسن وحسين بيومي ليشكل حزباً مستقلاً باسم “الحزب الوطني الاتحادي” يساند التوجهات البريطانية بإقامة دولة الإمارات العربية.
كما نجحت حركات الوحدة الحضرمية والعوالق ولحج في تشكيل إطار موحد يسمى رابطة أبناء الجنوب العربي عام 1951م يطالب بضم عدن وبقية محميات جنوب الجزيرة العربية في دولة واحدة تطالب بالاستقلال، وضمت محمد علي الجفري، شيخان الحبشي، عبدالله علي الجفري، قحطان الشعبي، علي سالم الشعبي، سالم الصافي، عبدالله باذيب، رشيد الحروي، وغيرهم، كما شهدت الخمسينيات تأسيس 15 حزباً في عدن منها أحزاب الأمة والشعب والأحرار الديمقراطي.
وبرز تياران داخل الحركة الوطنية أحدهما يطالب باستقلال الجنوب أو استقلال عدن ويدعم فكرة حرمان أبناء الشمال من انتخابات المجلس التشريعي عام 1955م ومعاملة كل يمني يولد في الشمال على أنه أجنبي على الرغم مما أوردته منشورات حركة الأحرار من أن قوائم الانتخابات كشفت أن عدد الشماليين يساوي 48 ألفاً و88 شخصاً بنسبة 35 % من مجموع سكان عدن البالغ عددهم 138 الفاً و441 نسمة.
وتيار آخر يطالب بالوحدة اليمنية استطاع أن يلملم شتاته من ثمانية مكونات ليعلن الجبهة الوطنية المتحدة عام 1955م وهو ما دفع بالحركة الوطنية إلى آفاق رحبة من النضال المشترك والرغبة في إزاحة الإمامة والاستعمار وتوحيد الشطرين، ويعد إعلان الجبهة الوطنية المتحدة تاريخاً بارزاً ومميزاً للنضال المشترك في إطار تنظيمي منسق وهادف أثار حفيظة الاستعمار في الجنوب والإمام أحمد في الشمال، ورغم أساليب السلطة البريطانية في عدن القمعية وترحيل أمين عام الجبهة الوطنية المتحدة محمد عبده نعمان إلى الشمال وتفريق بقية الأعضاء إلا أنهم استطاعوا أن ينخرطوا في إطار نقابات عمالية وأعلنوا المؤتمر العمالي الذي ضم 25 نقابة عام 1956م، وصدرت العديد من الصحف المطالبة بالوحدة الوطنية مثل البعث 1955م وصحيفتي الفكر والعامل 1957م، وصحيفة النور التي صدرت عام 1958م والتي كان يرأس تحريرها الأستاذ محمد سالم باسندوة وغيرها من الصحف التي رافقت إنشاء العديد من المنظمات العمالية.
وبحسب الباحثين والمؤرخين فقد أدى تأميم حكومة مصدق الوطنية للعمليات النفطية في إيران، إلى إنشاء شركة بريتيش بتروليوم مصافي الزيت البريطانية في عدن، وأدى قيامها إلى الاهتمام بالطبقة العمالية وتوسيع قاعدتها، ورافق ذلك الاهتمام ظهور بعض الأشكال النقابية في الفترة 1951 - 1953م مثل رابطة العمال والفنيين عام 1951م، ونقابة عمال وموظفي خطوط عدن الجوية، وجمعية موظفي سلاح الطيران عام 1953م، وتوالت عملية الإضرابات العمالية والتي كان لها دور في دعم الحركة الوطنية وبروز شعارات الاستقلال والوحدة اليمنية، فضلا عن إسهاماتها الكبيرة لنقل الحراك السياسي من النشرات والإدانات والبيانات إلى الإضرابات والانتفاضات.
وشعرت بريطانيا بخطورة تداعيات الثورات العربية، وأبرزها ثورة يوليو المصرية، والخوف من قيام ثورة في الشمال فسعت جاهدة إلى إنشاء اتحاد إمارات الجنوب العربي في 11 فبراير1959م.
ويرى كثير من المؤرخين أن مشروع اتحاد إمارات الجنوب العربي هدف إلى خنق تطلعات الوحدة اليمنية، وسلب الهوية اليمنية للجنوب المحتل عبر إيجاد استقلال شكلي وهوية بديلة باسم “الجنوب العربي”.
كما سعت الحركة الوطنية إلى مقارعة الاستعمار من خلال إبراز نشاطات لفروع من الأحزاب العربية مثل تأسيس فرع حركة القوميين العرب في عدن 1959م، وحزب البعث العربي الاشتراكي للقطر اليمني وكذا حزب الشعب الاشتراكي الذي أسسه عبدالله الأصنج عام 1962م، وحزب التجمع الوطني التقدمي، وأسس الماركسيون اليمنيون تنظيمهم السياسي في 22 أكتوبر سنة 1961م باسم الاتحاد الشعبي الديمقراطي، وإعلان ميثاقه الوطني الذي صدر تحت شعار “نحو يمن حر ديمقراطي موحد” وكان أول برنامج سياسي حزبي يضع هدفاً رئيسياً له “النضال من أجل توحيد الوطن” على أسس ديمقراطية بقيادة عبدالله باذيب، كما تم تأسيس حزب الشعب الاشتراكي عام1962م، وكان بمثابة الجناح السياسي للمؤتمر العمالي.
باذيب ومشروع الوحدة
ومما يؤكد واحدية الحركة الوطنية ومساعيها المشتركة للتحرر من الاستعمار والرجعية لجوء الكاتب والثائر عبدالله باذيب إلى تعز في أواخر سنة 1958م بعد مُحاولة اغتياله، ثم فتحه لمكتب باسم (مكتب تحرير الجنوب اليمني المُحتل) واصدر صحيفة “الطليعة”.. ويؤكد المؤرخون أن باذيب سخر كل جهوده لفضح المؤامرات الاستعمارية في الشمال من خلال بروز المطامع الأمريكية للاستيلاء على الشمال حينما وضعت أمريكا أولى أقدامها في النقطة الرابعة بتعز، وكذا مناوئة الاستعمار البريطاني في الجنوب.
ويتضح الشعور بواحدية الثورة وضرورة الوحدة الوطنية ما تضمنته أهداف صحيفة الطليعة التي جاء في افتتاحية عددها الأول “: من أجل يمن المنجزات العظيمة والطلائع، يمن الخير والعطاء للعرب ولنا جميعاً وللإنسانية بأسرها، وسوف تظل اليمن مقبرة للطامعين على اختلافهم، ومن أجل مقارعة مشاريع الاستعمار وفضح أساليبه ومخططاته في الجنوب، ومن تطور الأوضاع المتخلفة تطويراً سليماً وسريعاً وشاملاً في الشمال، ومن أجل حماية وتأمين استقلال اليمن ضد مؤامرات الاستعمار، من أجل يمن حر، موحد وسعيد، من أجل ذلك كله تصدر صحيفة الطليعة اليوم”.
انتفاضات مناوئة للإمامة والاستعمار
ولمقارعة الظلم والاستبداد الرجعي والاستعماري شهد اليمن شمالاً وجنوباً الإضرابات والمظاهرات والانتفاضات الشعبية، واندلعت في 22 سبتمبر 1962م إضرابات الطلاب في مدارس مدينتي تعز وإب، وسيق إلى سجون الإمام آباء الطلاب من الفلاحين والمزارعين الفقراء، عقاباً لهم على الانتفاضات التي قام بها أبناؤهم، وشهدت الجنوب الزحف الشعبي الكبير على المجلس التشريعي في 24 سبتمبر 1962م احتجاجاً على دمج عدن في الاتحاد الفيدرالي السلاطيني الاستعماري.
واندلعت ثورة ال 26 من سبتمبر 1962م، وأزاح اليمنيون ستار الظلم والكهنوت بالقضاء على الحكم الإمامي البائد وقيام الحكم الجمهوري كأول جمهورية في شبه جزيرة العرب.
واستقبلت صنعاء القوى السياسية والأحرار من أبناء الجنوب، وآلاف المتطوعين الذين وهبوا أرواحهم للدفاع عن الثورة السبتمبرية، ولم يغفل أحرار الشطرين مهمة تحرير الجنوب المحتل من الاستعمار البريطاني ويؤكد ذلك أن أول حكومة وطنية تشكلت بعد قيام الجمهورية خصصت حقيبة وزارية لشؤون الجنوب المحتل.
ويشير الكتاب والمؤرخون إلى أن هذه المرحلة تعد أهم مراحل تاريخ التلاحم الوطني حيث جرى عقد المؤتمر الأول للعناصر الوطنية الجنوبية ومنها حركة القوميين العرب وتشكيلة من منظمات القبائل ومنظمة شباب المهرة وجبهة الإصلاح اليافعي والجبهة الناصرية وتشكيل الضباط الأحرار وغيره من النوادي والجمعيات في صنعاء في فبراير 1963م حضره ما يربو عن الألف مندوب من مختلف المنظمات الثورية، وتلى ذلك مؤتمر يونيو 1963م والذي خرج بقرار ينادي بتجميع القوى الوطنية الجنوبية المُختلفة في جبهة وطنية موحدة تقوم بالدفاع عن ثورة 26سبتمبر في الشمال ودحر الاستعمار البريطاني في الجنوب، وأعلن على أثره مولد الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل عبر إذاعة صنعاء بمباركة حكومة الجمهورية العربية اليمنية ومواطني الشمال والجنوب، وشُكِّلت لجنة تحضيرية مكونة من عدد من الشخصيات الثورية، حيث قدمت هذه اللجنة ميثاقاً جاء فيه (الوضع الثوري في الجمهورية العربية اليمنية هي ثمرة تجارب الشعب اليمني شمالاً وجنوباً، ولذلك يجب التفاعل مع الثورة وقادتها ويجب أن تكون الجمهورية العربية اليمنية قاعدة للنضال في الجزيرة العربية، وحماية هذه الثورة من أي نكسة قد تقوم بها الرجعية أو الاستعمار أو الانتهازية).
كما عقدت الجبهة القومية مؤتمرأً في تعز خلال الفترة 22 25 يونيو1965م أعلنت خلاله أنها الممثل الوحيد للجنوب في النضال ضد الاستعمار.
ونقلت وسائل إعلامية عدة عن الرئيس الجنوبي السابق على ناصر محمد قوله في إحدى المقابلات الصحفية: “ الثورة المُسلحة في جنوب اليمن بدون تغيير الأوضاع في الشمال تُعد مُجرد مُغامرة، وأنه لكي تنتصر ثورة تحريرية في الجنوب لابد أن تنتصر ثورة وطنية في الشمال”.
وتذكر المصادر التاريخية أن رئيس حزب الشعب الاشتراكي عبد الله الأصنج ساند ثورة سبتمبر في الشمال بإرساله نحو 12 ألف مُقاتل للدفاع عنها.
ونتيجة لمخاوف الاستعمار البريطاني من الثورة في الشمال وما تمثله من خطر على مصالحها فقد دفعها إلى إنشاء قواعد عسكرية في الجنوب في أواخر عام 1962م، فضلاً عن دعمها الكبير للملكيين، الأمر الذي دفع أحرار الجنوب إلى مساندة إخوانهم في الشمال وقد هب المقاتلون الأبطال من ردفان و والضالع ولودر ودثينة والعوالق ومن لحج وعدن الباسلة للمشاركة في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر، وعادوا إلى ردفان وبينهم الشيخ غالب بن راجح لبوزة الذي طالبه الإنجليز أثناء عودته من رحلة الدفاع عن سبتمبر بتسليم سلاحه مع دفع غرامة مالية تأديبية، وكانت كل مؤهلات اندلاع الثورة قائمة ومستمدة قوتها من الثورة السبتمبرية، وفجر الأحرار ثورة ال 14 من أكتوبر 1963م من جبال ردفان وخاضوا خلالها مواجهات كبيرة بدأت يوم الحادي عشر من أكتوبر 1963م، واستشهد قائد هذه المجموعة المقاتلة وهو الشيخ غالب بن راجح لبوزة صبيحة يوم 14 أكتوبر 1963م والذي ألهب حماس أبناء الشعب الجنوبي فاندلعت ثورة شعبية مسلحة ضد المستعمر المحتل.
وأعقب لبوزة في قيادة الثورة عبدالله المجعلي ودخلت الجبهة القومية في المقاومة إلى جانب الأحرار غير المنضويين في إطار المنظمات سواء من أبناء الشمال أو الجنوب.
وفي سنة 1963م انشئت معسكرات في الشمال لاستقبال الفدائيين الجنوبيين وتدريبهم على استخدام الأسلحة الخفيفة والألغام والتفجير، ومنهم (عبد الرب علي مصطفى، وعلي غالب عبود، وأحمد محمد عبده، وفضل محسن، وخالد هندي، وعبد الكافي عثمان، وصالح الجابري، وسالم باجبع، وعوض سعيدي).
كما قام باذيب ومحمد عبده نعمان بإشراف من السلال في تقديم برنامج إذاعي موجه من تعز وكانت مهمة هذا البرنامج دعوة أبناء جنوب اليمن إلى مُحاربة الاستعمار.
وخاضت الثورة في الشمال مؤامرة عنيفة من المستعمر البريطاني ومن قوى الرجعية ونتيجة لانسحاب القوات المصرية من الشمال في أكتوبر 1967م استغلت القوى الرجعية هذا الانسحاب فاتجهت بالزحف نحو العاصمة في حصار دام سبعين يوماً استمر حتى فبراير 1968م، وفي هذا الإطار فإن واحدية الثورة تمثلت من خلال مشاركة 600 جنوبي في الدفاع عن صنعاء، والتي انتهت أحداثها بمؤتمر المصالحة الوطنية وفك حصار صنعاء.
وفي الجنوب استطاعت الجبهة القومية الإنفراد بالقرار السياسي بعد أن عقدت عدة مؤتمرات منها، مؤتمر جبلة، ومؤتمر الإسكندرية، وحُمَر، وغيرها، وفيما يشير المؤرخون إلى أن استقلال الشطر الجنوبي كان بعد حرب أهلية بين فصائل ثورة 14 أكتوبر أسفرت عن إنفراد إحداها بالسلطة، ونزوح الفصائل الأخرى إلى الشطر الشمالي من الوطن الذي كان في ذلك الحين يواجه خطر الحصار المفروض على صنعاء، فإن البعض يشير إلى أن النضال السياسي للجبهة القومية وطرحها النظري الأيديولوجي مكنها من الوصول إلى السلطة في 30 نوفمبر1967م، وإقامة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية برئاسة قحطان الشعبي سيما وأن القوى السياسية الأخرى مثل جبهة التحرير لم تتوفر لها الظروف المواتية لتصدر الموقوف والوصول إلى دفة الحكم.
الاستقلال وضياع فرصة الوحدة
وعلى الرغم من أن المرحلة كانت خصبة ومهيأة لتحقيق حلم أبناء الوطن في إقامة الوحدة الوطنية إلا أن عدداً من الظروف الداخلية والخارجية أحالت دون تحقيق هذا الحلم، ومنها تشابك وتعقد الاتجاهات السياسية وهيمنة الإيديولوجيا على طبيعة أنظمة الحكم العالمي آنذاك والمؤثرة على مصائر البلدان الصغيرة والضعيفة، والتي سببت في أن يتباعد الشطران سياسياً تحت تأثير تلك الأيديولوجيات والوضع العالمي القائم على الرغم من تلهف الجماهير اليمنية وتوقهم إلى إعادة تحقيق وحدة اليمن.
نماذج من شواهد واحدية الثورة
ونقلت صحيفة 26سبتمبر في عددها (1460) عرضاً لوثيقة تاريخية هامة هي صحيفة خاصة باسم “26 سبتمبر” أصدرتها جريدتا “14 أكتوبر” و”الثوري” بمناسبة العيد الثامن لثورة سبتمبر في 26 سبتمبر1970م أي قبل 20 عاماً من إعادة تحقيق الوحدة اليمنية في1990م، عندما قررت الصحيفتان الرئيسيتان في جنوب الوطن آنذاك الاحتجاب واستبدال إصدارهما بصحيفة خاصة موحدة تحمل اسم الحلقة الأولى من الثورة اليمنية.
وجاء في تلك الافتتاحية ما يلي: “ اليوم تدخل حركة 26 سبتمبر عامها التاسع، وبدخولها العام التاسع تكون قضية الثورة اليمنية أمام طور جديد من المهام اليومية والتاريخية. إن احتفال جماهير اليمن بهذه الذكرى المجيدة يعبر تعبيراً صادقاً عن إيمانها بأهداف ومبادئ 26 سبتمبر.. وإن سقوط النظام الإقطاعي الكهنوتي في الشمال على أيدي طلائعه الوطنية قد جعل الامبرياليين وحلفاءهم في الداخل والخارج يشعرون بخطورة هذه النقلة الهامة، التي شكلت رد فعل إيجابي لمؤامرات الرجعيين والامبرياليين في الجزيرة العربية.
وهكذا فإن 26 سبتمبر قد أكسبت نضال الشعب اليمني طوراً جديداً من نضاله الوطني من أجل الوصول إلى المجتمع الأفضل.
واليوم وبعد مرور ثماني سنوات على حركة 26 سبتمبر، فإن الإقليم اليمني يشهد الآن صداماً حاداً بين الجماهير اليمنية وقواه الوطنية الديمقراطية من جهة، والامبريالية العالمية وحلفائها من جهة أخرى.
إننا في الوقت الذي نحتفل بهذه الذكرى، نؤكد إيماننا أن الجماهير اليمنية وطلائعها الثورية المنظمة، أمام مخاطر جسيمة تستهدف فيه القوى الرجعية والامبريالية إعادة اليمن إلى منطقة النفوذ الاستعماري.
وأمام هذا فإن قوى الثورة والتقدم في إقليم اليمن أمام طريقين: مواصلة النضال أو الاستسلام لأعداء الشعب.
وكان الأخ الرئيس عبد ربه منصور هادي رئيس الجمهورية قد أكد واحدية الثورة اليمنية “26 سبتمبر و14 أكتوبر” التي فجرها شعبنا اليمني في القضاء على الحكم الإمامي الكهنوتي والاستعمار البغيض.
ونقلت وكالة الأنباء اليمنية «سبأ» عن هادي الذي كان يشغل نائب الرئيس آنذاك قوله في حديث لصحيفة الجمهورية في ال 26 من سبتمبر2009م :” إن من يشكك في واحدية الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر يجهل حقائق التاريخ والجغرافيا ونضالات الحركة الوطنية منذ فجر انطلاقها”.
وأشار في هذا الصدد إلى الدور الوطني المؤازر لثورة 26 سبتمبر المجيدة عندما احتضنت عدن العاصمة الاقتصادية والتجارية للجمهورية اليمنية منذ وقت مبكر الرعيل الأول من قيادات الحركة الوطنية في الشمال في حين أن مدينتي تعز و قعطبة كانتا هما الأخريين وغيرهما من المناطق المحاذية التي كانت تمثل موقعاً مهماً لقواعد فدائيي ثورة 14 أكتوبر وتدريباتهم بهدف دحر المستعمر البريطاني عن جنوب الوطن.
وأكد هادي أنه ليس من حق أحد إدعاء الوصاية على الوطن أو المساس بمكتسبات الثورة والجمهورية والوحدة ، كما ليس من حق أحد تجاوز النظام والقانون وادعاء الحق الإلهي في الحكم في محاولة لإعادة حكم الإمامة المستبدة التي قضى عليها شعبنا من خلال ثورته المباركة قبل أكثر من أربعة عقود ونصف من الزمن.
ويلخص واحدية الثورة والنضال المشترك لأحرار الشطرين، مقتطفات من محاضرة ألقاها المناضل الراحل علي عنتر أمام طلاب كلية التربية والتكنولوجيا بجامعة عدن، وتحديداً عام 1983، أي قبل 3 سنوات على استشهاده في أحداث يناير 1986م والتي نشرتها صحيفة الثورة في عددها الصادر في 29 نوفمبر2007م، أكد خلالها الثائر والوحدوي علي عنتر بأن الوحدة قادمة لا محالة، وأوصى الحزب “الاشتراكي” الحفاظ عليها مهما كان الثمن، واستشهد بتجربته السياسية والنضالية ليؤكد على واحدية الثورة اليمنية ولحمة المصير والهدف بعد نحو قرن على رحيله.
وأشار إلى أنه قد يأتي في المستقبل من يتساءل عما فعله الرموز الأوائل من أجل وطنهم، ولذلك فقد طالب من سيطرحون هذا التساؤل أو يشككون في واحدية الثورة اليمنية “سبتمبر وأكتوبر” بأن يحسنوا قراءة التاريخ جيداً لكي يعرفوا أن من صنع ثورة 26 سبتمبر و14 أكتوبر وحقق الاستقلال في ال 30 من نوفمبر عام 1967 هم مناضلون من كل مناطق اليمن شمالاً وجنوباً.
وقال: “لقد قمنا بالثورة ونتمنى أن نموت ونحن نناضل من أجل تحقيق أهدافها السامية” .. مؤكداً أن الفضل الأول يعود لأولئك الرواد الذين فجروا ثورة 26 سبتمبر التي مهدت الطريق أمام قيام ثورة ال 14 من أكتوبر، بحيث كان حتمياً أننا وبعد أن قضينا على الإمامة أن يناضل أبناء اليمن شمالاً وجنوباً لتحرير الجزء المحتل من وطنهم من قبضة الاستعمار.
ويضيف علي عنتر في محاضرته “لقد انطلق المارد الجبار من صنعاء الثورة محققاً أهم انتصار للحركة الوطنية اليمنية” مستعرضاً صور المعاناة التي واجهها أبناء اليمن قبل قيام ثورتي “سبتمبر وأكتوبر ويوصيهم خيراً بوطنهم.
وتابع المناضل الوطني الراحل علي عنتر «لقد عانى آباؤكم من المآسي والويلات ما لم تعانوه، ولحق بنا في الشمال والجنوب ظلم الإمامة والاستعمار، فقد فرض علينا التشطير والجهل والتخلف، فلا تعليم إلا لأبناء الميسورين فيما كنا نخزن حب القمح والذرة لمدة سبع سنوات ليس لوفرته، إنما خوفاً من أن يأتي اليوم الذي لا نجد فيه ما نسد به الرمق».
وأضاف “لا بد أن تعي الأجيال التي ستأتي بعدنا أن آباءهم وأجدادهم قد جسدوا الوحدة الوطنية بأسمى معانيها، ولم يزدهم ظلم الإمامة واستعباد الاستعمار إلا إصراراً وتمسكاً بتلاحمهم .. فكنا حينما تنتهي علينا حبوب الطعام أو نجوع في الضالع نذهب لنأتي بالذرة والقمح من إب وليس من استراليا، لإيماننا وقناعتنا بأن اليمن واحد ومعاناته واحدة وتاريخه واحد”.
واستطرد قائلاً “كنا نعطف على بعضنا البعض في الأزمات والشدائد، خاصة وأن إمكانيات البلاد قبل الثورة كانت تحتكرها الإمامة والاستعمار لنفسها، حيث كان الطبيب الذي نلجأ إليه سواء في الشمال أو الجنوب هو ذلك الأخصائي الذي يجيد عملية الكي”.
وتساءل عنتر في محاضرته قائلاً: من أنقذ هذا الوطن؟.. أليست الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر؟!.. ومن حرر هذا الشعب من الاستبداد والاستعباد الإمامي والاستعماري.. أليست أيضاً الثورة؟!، ومن سيخرج هذا الشعب من دائرة التشطير والتجزئة وموروثاتها؟!.. إنها الثورة أيضاً، خاصة أن من أحكموا علينا تلك القبضة لم يكتفوا بتشطير اليمن إلى جزأين، بل أنهم شطرونا أيضاً داخل كل جزء، فكان صاحب المسيمير غريباً في بلاد الحواشب، وصاحب العوالق عندما يذهب إلى منطقة أخرى يشعر وكأنه في غير وطنه، بل أنهم أرادوا تمزيقنا قرية قرية، ولو لم نتحرك باتجاه تغيير تلك الوضعية لأصبحت حياتنا هدراً.
ويضيف المناضل الراحل علي عنتر رحمه الله :” وعلى إثر توافر الشروط فقد تم تشكيل الجبهة القومية التي كان نواة لها تنظيم حركة القوميين العرب، حيث جاء هذا التشكيل للعمل السياسي مستوعباً كل أبناء اليمن في الشمال والجنوب، سواء أكانوا من أبناء صنعاء أو عدن أو شبوة أو الحديدة أو تعز أو غيرها، ومع ذلك فقد ظلت الثورة اليمنية عرضة للكثير من المؤامرات والمخططات، إلا أن ذلك لم يثنها عن مواجهة تلك المحاولات والتي كان يقودها عادة مجموعات من “المتمصلحين والمرتزقة والمندسين”، وقد دخلنا في صراعات مع تلك الجماعات، واستطعنا أن نسلح أبناء شعبنا في الشمال والجنوب بالوعي ليصبحوا هم صمام الأمان للثورة”.
وأردف الراحل علي ناصر عنتر: لقد ناضلنا في حرض وفي صرواح وفي المحابشة وفي كل جبل من جبال المحافظات الشمالية في مواجهة فلول الإمامة وتثبيت ثورة 26 سبتمبر، وناضل إخواننا ورفاقنا من أبناء المحافظات الشمالية نضالاً مستميتاً في شوارع عدن وفي جبال الضالع وردفان، بل وفي كل جبل من جبال الشطر الجنوبي، الأمر الذي يؤكد على أن الثورة اليمنية قد شكلت الإطار القوي لوحدتنا الحقيقية، وأقول إن الوحدة آتية، فهي الحقيقة التي ناضل من أجلها أبناء الشعب اليمني، ومن تغضبه هذه الحقيقة فعليه أن يضرب رأسه عرض الحائط.. لقد سالت الكثير من دماء اليمنيين فداء لهذا الهدف الذي يمثل أغلى شيء في حياتهم، ولذلك فقد أكدنا على الحزب الاشتراكي “اليمني” وليس “العدني” أن يضع تحقيق الوحدة اليمنية نصب عينيه وهو الحال الذي ينطبق على إخواننا في شمال الوطن”.
وقال عنتر : لا بد أن يتحلى الجميع بنفس الرجولة والشجاعة التي كانت لدى أولئك الذين صنعوا الثورة والذين قدموا رؤوسهم قرباناً للحرية على طول وعرض اليمن، كما أن علينا أن نحافظ على إنجازات الثورة وأن نصونها وأن لا نساوم حولها بدافع خلل ما أو مجاملة أو محاباة لبعض من تضررت مصالحهم، وليس من حق أحد أن يمن على اليمن بنضاله، فقد ناضلنا كلنا وكل واحد منا كان مكملاً للثاني، ولكي نضمن استمرارية هذه الانتصارات في المستقبل فلا بد أن نجعل مصلحة الوطن فوق مصالحنا الذاتية، وأقول للشباب ومن خلالكم إلى الأجيال القادمة، راقبوا الممارسات وليس الشعارات، ولا تدعوا أحداً يغالطكم أو يسعى إلى استغفالكم من خلال بعض المفاهيم الخاطئة، فاليمن قد انتصرت ورسمت ملامح طريق المستقبل، وعليكم أن تحافظوا على هذه النجاحات، ولا تكونوا كمن يزرع الثوم ويتطلع لجني البصل”.
استقطابات داخلية وتحالفات خارجية
وعلى الرغم من هذه التوجهات الثورية ومساعيها لإقامة الوحدة إلا أن شطري اليمن الشمالي والجنوبي احتكاكات وأزمات عديدة.
ويقول الباحثون: إن اليمن شهدت خلال هذه الفترة المواجهة العسكرية مع حكومة الجبهة القومية في عدن، وتميزت المرحلة بالتنافس بين أعضاء التحالف الحاكم في صنعاء على مراكز النفوذ والسلطة في البلاد، ودخلت الدولتان الشطريتان في حروب ومواجهات مسلحة أسفرت عن حمى استقطابات داخلية وتحالفات خارجية ترافقت مع قيام كل منها بتقنين عدد من الإجراءات والقيد التي ألحقت ضرراً بالحريات العامة والحقوق المدنية، للمواطنين، وفي مقدمتها تقييد حرية تنقل الأفراد، ومنع انتقال المنتجعات الوطنية والمطبوعات والصحف والكتب بين الشطرين، فيما جرى، بصورةٍ متبادلة إحاطة هذه الأوضاع المأساوية بمُناخٍ متوتر اتسم بتغليب الميول نحو الاستقطاب الأيديولوجي، وانتشار الأوهام التي روّجت لوجود نظامين متمايزين متوازيين لا يمكن أن يلتقيا إلا بتكريس أحدهما، وإلغاء الآخر.
ويرجع الباحثون أسباب التوتر بين صنعاء وعدن إلى الاختلاف الفكري والأيديولوجي وتأجج النزاع من قبل دول الجوار الإقليمي، بالإضافة إلى نزوح عشرات الآلاف من أبناء الجنوب إلى الأراضي الشمالية، وتبادلت وسائل إعلام الطرفين الاتهامات حيث وصفت وسائل إعلام عدن حكام صنعاء بالرجعيين المرتزقة، ووصفت وسائل إعلام صنعاء حكام عدن بالشيوعيين الملحدين المخربين، ومن الأزمات والأحداث التي شهدتها اليمن تفجير انقلاب 23 أغسطس عام 1968م ضد المجلس الجمهوري بصنعاء، وأحداث أواخر 1968م وأوائل 1969 بين حدود الشطرين، وتصاعدت الحشود العسكرية على الحدود بين الطرفين والتي أسفرت عن مواجهة مسلحة في الخامس والعشرين من شهر سبتمبر 1972م واحتلت قوات الجبهة القومية مدينة قعطبة الحدودية وامتد القتال على طول المحافظات المتاخمة، والتي أشار إليها الأديب والشاعر الأستاذ عبدالله البردوني بوصفها الأُم الطبيعية لفكرة إعادة تحقيق وحدة اليمن .. مضيفاً أن الحرب على مآسيها تستنزف الدم الفاسد وتحرك رواكد المياه لكي تتجدد، إذ دلت الدراسات على أن أحداث 72م مجرد عرض طارئ وأن مؤامرة التجزئة قد سقطت وكانت المؤامرات تستهدف ضرب شطر بشطر فكانت الغاية المعاكسة حتمية وحدية اليمن الواحد.
ويشير المؤرخون إلى أنه وإزاء هذا الصراع بذلت كل من مصر وسوريا والجزائر والكويت وليبيا جهوداً كبيرة لاحتواء الأزمة بين الطرفين وتدخلت جامعة الدول العربية ممثلة في مجلس الجامعة وشكلت لجنة وساطة عربية من الدول المذكورة برئاسة الأمين العام للجامعة، وتمكنت هذه الجهود من احتواء الأزمة وإصدار قرار بإنهاء الحرب ابتداءً من 4/10/1972م ودخلت حكومتي صنعاء وعدن في مفاوضات نتج عنها توصل الطرفين إلى اتفاقية في 28/10/1972م عرفت باتفاقية القاهرة وقعها رئيسا وزراء الشطرين محسن العيني وعلي ناصر محمد بمقر الجامعة العربية ، ونصت على إعادة توحيد شطري اليمن في دولة واحدة تسمى “الجمهورية اليمنية” وعاصمتها صنعاء، وتلاها توقيع ما عرف ببيان “طرابلس” في 28 فبراير 1973م بين رئيسي صنعاء وعدن القاضي عبدالرحمن الإرياني وسالم ربيع علي ، وعلى ضوء هذا البيان تشكلت العديد من اللجان الوحدوية من الطرفين وتضمن البيان : تقوم وحدة بين دولتي الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية تذوب فيها الشخصيات الدولية لكل منهما، يكون للدولة الجديدة علم وشعار واحد، عاصمة واحدة، رئاسة واحدة، وسلطات تشريعية وتنفيذية وقضائية واحدة، نظام الحكم في الدولة الجديدة نظام جمهوري وطني ديمقراطي، ويضمن دستور الوحدة جميع الحريات الشخصية والسياسية والعامة للجماهير كافة ولمختلف مؤسساتها ومنظماتها الوطنية والمهنية والنقابية، وتتخذ جميع الوسائل الضرورية لكفالة ممارسة الحريات، وتضمن دولة الوحدة جميع المكاسب التي حققتها ثورة سبتمبر وأكتوبر.
و في تاريخ 15 فبراير 1977 التقى رئيسا الشطرين الحمدي وسالمين في مدينة قعطبة وتم الاتفاق على تشكيل مجلس من الرئيسين ومسئولي الدّفاع والاقتصاد والتجارة والتخطيط والخارجية يجتمع مرّة كل ستة أشهر بالتناوب في صنعاء وعدن لبحث ومتابعة كافّة القضايا الحدودية التي تهم الشعب اليمني الواحد وتنسيق الجهود في كافة المجالات بما في ذلك السياسة الخارجية.
إلا أن هذا الحلم لم يتحقق بفعل تسارع الأحداث وبروز موجة اغتيالات طالت قيادتا الشطرين، فضلاً عن الحملات الإعلامية التي اشتدت ضراوتها بين صنعاء وعدن.
وفي مارس 1979 التقى الرئيسان علي عبدالله صالح وعبدالفتاح إسماعيل وتوصلا إلى توقيع اتفاقية أكدا فيها على الالتزام بالاتفاقيات الوحدوية السابقة، وعلى الخطوات التنفيذية لتحقيق الوحدة، والإسراع في إعداد دستور دولة الوحدة خلال أربعة أشهر ليجتمع الرئيسان لإقراره قبل أن يحال إلى السلطتين التشريعيتين للموافقة عليه وعرضه على الشعب للاستفتاء.
وبحسب البردوني فإن عبد الفتاح إسماعيل كان أسرع استجابة قابلاً لتنازله عن رئاسة الجمهورية إذ قال في مصالحة الكويت “ من الآن أتنازل لعلي عبدالله صالح لرئاسة جمهورية اليمن الواحد عن طواعية واختيار”، فتألبت عليه المؤامرات حتى خلعته من كل سلطاته، وكانت هذه أعنف حوادث السبعينيات.
وجاءت استقالة عبدالفتاح إسماعيل في 21 إبريل 1980 ليخلفه الرئيس علي ناصر محمد الذي بادر بزيارة صنعاء في 13 يونيو 1980 للاتفاق على إحياء الحوار وإزالة أسباب التوتر والتنسيق في كافة المجالات وإنشاء شركة مشتركة للنقل البري والبحري، وعلى اللقاء الدوري بين الرئيسين مرة كل أربعة أشهر.
وفي 30 نوفمبر توصلت القمة اليمنية في مدينة عدن إلى اتفاق تاريخي على إقرار مشروع دستور دولة الوحدة وإحالته إلى مجلس الشعب والشورى للموافقة عليه ومن ثم إجراء الاستفتاء الشعبي.
وتلت هذه القمة نشاطاً مكثفاً للجان الوحدة وانعقاد لقاءات عدة في صنعاء ومكيراس وتعز وعدن، تم خلالها الاتفاق على موعد إعلان الجمهورية اليمنية وعلى تنظيم أعمال المؤسسات خلال الفترة الانتقالية وعلى العمل بالدستور على أن يؤجل الاستفتاء الشعبي عليه إلى ما بعد قيام الوحدة.
وشاء الله عزوجل أن يتم التنفيذ العملي لهذا الاتفاق وطرحت قيادتا الشطرين مشروع الدستور واتفاق إعلان الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية وتنظيم العمل في الفترة الانتقالية على المجلسين التشريعين يوم 21 مايو 1990، وتمّت مصادقة المجلسين في نفس اليوم.
وفي يوم ال 22 من مايو 1990 وفي مدينة عدن أعلنت الوحدة وقيام الجمهورية اليمنية، فكانت خير منجز في تاريخ اليمن المعاصر.ومن خلال هذه اللمحة السريعة للمُناخ السياسي الاقتصادي الذي نشأت فيه النواة الأولى للحركة الوطنية والتي تصدت لنظام الحكم الإمامي الاستبدادي في شمال الوطن، حتى وصلت إلى قطف ثمارها في إعلان الوحدة الوطنية، تجدر الإشارة إلى ما تلى ذلك من أحداث لتتضح معالم صورة النضال الوطني واشتعال جذوته مراراً وتكراراً والتي تخبو بفعل الاستبداد السياسي بصوره وأشكاله المتعددة.
حيث أدى اشتداد الصراع بين شركاء الوحدة إلى مواجهات دموية في صيف 94م قيضت معالم الوحدة معنوياً وإن أبقتها على قيد الحياة شكلياً، ونتيجة لما خلفته هذه الحرب من مآسٍ إنسانية واقتصادية فقد اندلع الحراك السلمي في العام 2006م في الجنوب كرد فعل للإقصاء والتهميش وسوء الإدارة والاستئثار بالسلطة والثروة لثلة معينة سواء مقربة من القيادة السياسية أو ذات نفوذ عسكري وقبلي، كما شهد الوطن تفجير ستة حروب في صعدة مع جماعة الحوثي، فضلا عما شهده الوطن من تردي كبير على المستوى الاقتصادي، وازدياد التسلط العسكري والقبلي على السلطة السياسية وظهور الفئوية والمناطقية والتهميش السياسي بأبشع صوره وألوانه.ويمكن القول: أن النضال الوطني خلال الفترة التي أعقبت الوحدة وحتى الآن اتسعت رقعته وارتقى أداؤه مستنداً على قواعد التجربة التاريخية للحركة الوطنية اليمنية المعاصرة، إذ اندلعت ثورة شعبية شبابية سلمية في كافة أرجاء الوطن في ال 11 من فبراير2011م اتسمت بنضج الوعي السياسي وطرح مشروع الدولة المدنية الحديثة والعادلة، وكان من نتائجها الإطاحة بالنظام السابق وانتخاب الرئيس التوافقي عبد ربه منصور هادي في فبراير الماضي في توافقِ يكاد يكون فريد من نوعه منذ أزمنة متعاقبة على اليمن، ليستكمل مشوار وضع قواعد وأسس ومنطلقات بناء اليمن الحديث بالتعاون مع أبناء الوطن المخلصين من مختلف التيارات والأحزاب والشرائح الاجتماعية.
وربما خلدت هذه الثورة أصدق الأدلة لواحدية الثورة وكانت السبيل الأمثل لتصحيح مسار الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر، والمحافظة على وحدة الوطن واستقلاله وتنميته وازدهاره، وإن بدت العقبات كؤوده في مرحلتها الانتقالية التي لانزال نعيش أحداثها، إلا أن ثقتنا بالله أولاً ثم بأبناء الوطن المخلصين في الدفع بسفينة الوطن إلى شاطئ الأمان واستكمال مسيرة النضال الوطني لتحقيق أحلام الشباب في الوصول إلى بناء يمن جديد ومستقبل أفضل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.