المتبع لتحليلات المحللين السياسين والاكاديمين لثورة 11 فبراير كانوا جميعا يميزونها عن غيرها من الثورات العربية الاخرى ، بانها ثورة امتزجت فيها القبيلة بأفرادها وشبابها وقياداتها مع الشباب في الساحات تاركين اسلحتهم في منازلهم وحتى لما استهدف نتهم الكثير بالقتل والسجن لم يحركوا سلاحاً ورددو سلمية ..سلمية . والسؤال المحير الذي يفرض نفسه في هذا السياق : كيف اقتنعت القبيلة بهذا الفعل ؟ او بمعنى آخر ماالذي حصل في وعي القبيلة حتى حولها من قبائل تتقاتل على اتفه الاسباب الى قبائل تضحي بشبابها ودمائها دون ردة فعل او انتقام ؟ او بمعنى اخر ايضا : ما الذي جعل القبيلة تتنازل عن حقها وسلطتها في دعم الرئيس الذي هو منها حتى النهاية ؟ قد تختلف الاجابة على تلك الاسئلة . فمثلا قد يقول قائل ان الاختلاف على المصالح ادى الى هذه النتيجة ..وقد يقول آخر ان الرئيس السابق فشل مؤخراً في التوفيق بين مصالح اقربائه ومصالح زعماء القبيلة. قد تكون هذه الاجابات صحيحة الى حد ما ... لكني ارى ان هناك سببا هاماً لذلك كله – أراه في الزلزال الفكري الذي حصل بوعي وفكر القبيلة في السنوات الاخيرة قبل الثورة. وهنا لابد من التأكيد ان علماء الفكر يؤكدون على ان من يريد النجاح في التغيير في اي مجال من مجالات الحياة لابد ان يبدأ اولا في تغير الفكر . وهذا ما بدأ به رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فقد كان يصلي بجوار الكعبة المشرفة والاصنام من حولها ، ولم يقم بما قام به ابونا ابراهيم عليه السلام باسقاطها وهدمها بل كان عليه الصلاة والسلام يريد ان يسقط هذه الاصنام في وعي الناس اولاً، وعندها هم سيسقطونها بانفسهم وهذا ماتم بالفعل. اذاً فما الذي خلخل فكر ووعي القبيلة وجعلها تحطم اصنامها بأيديها في رأيي ان هناك احداثاً عظيمة حدثت في السنوات الاخيرة قبل الثورة ساهمت في ذلك الى حد كبير أهمها:- انخراط معظم افراد القبيلة بقياداتها بحزب ديني كبير هو حزب الاصلاح حيث بدأت القبيلة تنتهل من الثقافة الحزبية والدينية للحزب فهذبت قيمها واخلاقياتها واستهجن كل شيء يعارض الدين وقيمه فاستهجن الفساد بأنواعه واستهجنت العصبية القبلية والدينية والطائفية ، فكان لحزب الاصلاح الفضل الكبير في احداث ثورة فكرية في فكر القبيلة ووعيها. ذاك التحول الكبير في الفكر السياسي المعارض في اليمن والذي تمثل في ميلاد ما سمي (باللقاء المشترك ) وباعتقادي ان هذا التحول عمل نقلة نوعية في الفكر السياسي اليمني والقبلي في وجه الخصوص ، وكان من مميزات هذا التحول صد الباب الذي كان الرئيس السابق ونظامه يجيدون مهارة اللعب على اشعال الفتن بين احزاب المعارضة ، اضف الى ذلك ان غياب النظام الحاكم عن الحركة الفكرية تلك وراح يزج بنفسه بتمجيد الزعيم ، والتمديد والتوريث وانتخابات مبكرة منفردا ، وقلع العداد... كل ذلك كمن سكب الزيت على النار فزادت الثورة اشتعالاً وزخماً جعلتها تنجح في تحقيق اول اهدافها وهو رحيل الرئيس وانتخاب رئيس جديد ووضع اللبنة الاولى في بناء الدولة المدنية الحديثة. وقد حدث هذا التحول ضربة موجهة للرئيس السابق ونظامه وكان بداية النهاية لذلك النظام. تأسيس المنتديات الثقافية في بعض المحافظات وكان اهمها ذلك المنتدى الذي كان يقام في منزل الشيخ عبدالله بن حسين الاحمر ، والذي كان يدعى اليه ابرز المثقفين والسياسيين في الوطن اليمني وحتى من الاشقاء والاصدقاء.فنوقش في هذا المنتدى الكثير من المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تعاني منها اليمن . ويعود الفضل لهذا المنتدى وغيره انها اعادت ترتيب اوليات المعارضة والقبيلة معاً وخاصة في نظرتها للتغيير ولصالح اليمن اولاً فذابت مصالح المعارضة وزالت مصالح القبيلة واتفقت كلها على مصلحة الوطن اولاً واخيراً. كل ذلك في نظري كان اهم الاسباب التي اشعلت الثورة في اليمن فيما بعد وخرج الناس يطالبون بالتغيير وكان افراد القبيلة في المقدمة. نائب عميد كلية التربية - جامعة تعز [email protected]