إن النظم السياسية المعاصرة ليست وليدة اللحظة بل ناتجة عن تجارب مرت بمراحل عديدة حتى وصلت إلى وضعها الحالي، ومع ذلك لايعني أن نظاماً سياسياً معاصراً في بلد ما يمكن أن يكون صالحاً لبلد آخر على الاطلاق، لأن الإيمان بالاختلاف والخصوصيات الاجتماعية والجغرافية والسياسية لايمكن أن يكون واحداً وموحداً في كل أرجاء كوكب الأرض، ومن يسعى لاستجلاب نظام من بلد ما لتطبيقه على بلد آخر، أقول بأن ذلك يعني جهلاً بدراسة الجغرافيا السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية بل جهلاً مركباً يعتمد على التقليد والمحاكاة فقط. إن الخصوصية لكل بلد من بلدان العالم تحتاج إلى دراسة علمية تظهر مكامن القوة والضعف في تلك الخصوصية، وتوفر المعلومات الدقيقة لصانع القرار، وبدون توفر المعلومات المستخلصة من الدراسات العلمية يصبح صانع القرار السياسي كمن يحرث في البحر، ولذلك لايجوز الاعتماد في التفكير في النظام السياسي على تقليد الآخرين واستجلاب تجاربهم دون دراسة علمية تبين الخصوصيات وأساليب التعامل معها. للأسف نجد البعص في حديثه عن النظم السياسية يخلط خلطاً فاحشاً بين الجانب النظري والواقع العملي، ولايعمل أدنى قدر للواقع مطلقاً، فقط وكأن مهمته الجانب النظري لنظام سياسي معين، وكأن الذي يسلك هذا السلوك إنما يحقق رغبة معينة أو يقف عند فئة أو جماعة أو حزب فقط ولايهمه ما الذي سيحدث بعد ذلك وهنا إما حالة من القصور في معرفة الخصوصيات أو خداع الأمة ودفعها إلى أزمة جديدة بسبب عامل النزعة الحاقدة على الشعب. إن اختيار النظام السياسي لدولة قائمة لايأتي عبر الهوى الضيق بالآخرين ولاعبر الانتقام أو النكاية بأحد على الإطلاق، لأن اختيار النظام السياسي يعني تحديد مستقبل الأجيال وصياغة دستور وبناء مؤسسات ووضع خطط وبرامج وأهداف استراتيجية بعيدة المدى، وهذا يعني أنه لابد من الحوار العميق الذي يعتمد على الرؤى الوطنية المعتمدة على التجربة والبحث التي تعطي رأياً سليماً أكثر أماناً لمستقبل أفضل بإذن الله.