ذكرنا في التناولات السابقة المتعلقة بالنظم السياسية المعاصرة اللعبة السياسية الخطرة في النظام النيابي، وتسلط الفرد في النظام الرئاسي، وسيطرة القلة في المجلس أو الجمعية, وأكدنا على ضرورة إخضاع الأنظمة السياسية للدراسة والمناقشة الموضوعية والعلمية، بعيداً عن العاطفة والرغبات الذاتية وحب التقليد أو محاكاة الآخرين, والعمل من أجل التميز المكاني والزماني والخصوصية الإنسانية والجغرافية، وقلت بضرورة دراسة دستور الجمهورية اليمنية ومعرفة مواقع القوة والضعف وعدم التطاول باسم الثورية والرغبة الانتقامية. إن النظام السياسي في الجمهورية اليمنية كغيره من الأنظمة السياسية في العالم لم يأت فجأة, بل جاء نتيجة لتجارب حياتية عملية عديدة مر بها اليمنيون منذ آلاف السنين, وقد جاء من عمق الجذور التاريخية للتجربة الديمقراطية في اليمن التي سبقت العالم بأسره بآلاف السنين قبل ميلاد المسيح, وقد أشرنا إلى ذلك في الحديث عن الملأ الذي دونه الخالق جل شأنه في القرآن الكريم؛ لأن صناع دساتير اليمن العديدة كانوا على قدر كبير من العلم والمسئولية، استحضروا واستلهموا التاريخ العريق لليمن، وعادوا إلى صفحاته المشرقة، وتمكنوا من التعرف على تجارب الحياة التي خاضها اليمنيون, وأدركوا مكامن الضعف والقوة، وعملوا على تطوير جوانب القوة وتفادوا مواطن الضعف. إن دراسة دستور الجمهورية اليمنية الحالي ليس عيباً على الإطلاق, ولا يقول بغير ذلك إلا جاهل لا يدرك الحقيقة ولا يعلم الحياة السياسية؛ لأنه لا يفكر بعقله بقدر ما يفكر له الغير, وأمثال هؤلاء الذين ألغوا عقولهم لا يصح أن يعتمد عليهم في صناعة المستقبل؛ لأن صناعة المستقبل تحتاج إلى إعمال الفكر والعقل للاستفادة من تجارب الحياة والأخذ بالخصوصيات البشرية والجغرافية، ولا مكان للعاطفة والأهواء الذاتية, وينبغي أن يكون التفكير في قضايا المستقبل بعقلية الوطن اليمني الواحد والموحد والآمن والمستقر والمتطور. إن دراسة الدستور يعني إخضاع التجربة الراهنة للدراسة لمعرفة الإخفاقات والنجاحات, أما محاولات إنكار الواقع والإصرار على المكايدة والمكابرة وحب الانتقام فإنه لا يقدم شيئاً جديداً للبلاد بقدر ما يخلق البغضاء ويشعل نيران الفتن, ولذلك فإن الواجب أن ندرس كل ما يمكن أن يحقق الخير العام للناس كافة ويحقق العزة والمنعة والرفعة لليمن واليمنيين كافة, وسنتناول دستور الجمهورية اليمنية في الأعداد القادمة بإذن الله. رابط المقال على الفيس بوك