عملية البناء والإصلاح ومواجهة المخاطر المحدقة باليمن ستظل بحاجة ماسة إلى تكاتف كل الجهود.. وتغليب المصلحة العليا للوطن على كل المصالح.. وبحاجة أيضاً إلى خطاب ديني وطني مستنير مستند على مرجعية واحدة لنهج إرشادي وتوعوي قويم يبني جسور الإخاء ويجسد رسالة السلام والمحبة ويعبر عن روح الدين الإسلامي الحنيف ويترجم تعاليم الكتاب الذي يوجه الناس إلى الوحدة والتكاتف والمحبة والإخاء وإلى كل الخير في الدنيا والآخرة.. بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة التي تقرب مابين المتباعدين وتحبب المتحاورين إلى بعضهم وتزيل كل ما يوقع بينهم الشحناء والعداوة (وَقَولَوا لِلنَّاسِ حُسْنا) البقرة (83).. كلمة طيبة تغرس في قلوب اليمنيين باختلاف مشاربهم السياسية حب الوطن والتضحية في سبيله وإيثار المصلحة العامة على غيرها من المصالح الشخصية والانانية والحزبية والجهوية الضيقة، هذه الرسالة العظيمة للعلماء ، الوطن في أمس الحاجة إليها، بعيداً عن مزالق السياسة وحساباتها الحزبية وبعيداً عن المذهبية والعصبية والمصالح الدنيوية؛ وبعيداً عن المزايدات للخروج به من الأزمة وتبعاتها التي كلفت اليمنيين الكثير والكثير. إن مقتضيات الظروف الراهنة تفرض على الجميع العمل على إنقاذ الوطن والمساهمة الفاعلة في إنجاح الحوار الوطني الشامل بما يضمن وحدة وأمن واستقرار اليمن.. وسلامة أراضيه، ويأتي في مقدمة من يجب عليهم العمل الجاد والدؤوب في إنجاح الحوار هم العلماء الذين يقع عليهم التعامل مع قضايا الوطن برؤية دينية شاملة وعدم اختزال الوطن في المصالح الحزبية والسياسية وفي المذهب أو الجماعة المذهبية أو السياسة الحزبية أو في مسائل خلافية ضيقة من شأنها تشويه صورة الإسلام الحقيقي وتفريق المسلمين مع يقينهم بأن وحدة المسلمين مقدمة على التعلق بتلك الصغائر لمن له فقه وبصيرة، ومتجاهلين في الوقت ذاته أن تجاوز التباين والاختلاف الناشئ على أساس من التعصب والانتماءات والحسابات الضيقة إنما يكون بالعودة إلى الكتاب والسنة والابتعاد عن أساليب التوظيف السياسي للخطاب الديني، وأن الحل في هذه وفي مثلها من المسائل العالقة إنما يكون بالاحتكام إلى الاجتهاد الجماعي الممنهج الذي أساسه العلم بالأصول وما يؤول إليها من الفروع والتحاور وفق الطرح الموضوعي الذي يقبل مناقشة ما يطرحه الآخر الذي عليه تقبل النقد والتقويم في حالة مجانبته للصواب. للعلماء دور ريادي كبير في حماية المجتمع اليمني من مخاطر وشرور التمزق والتشرذم والشتات، وواجبهم الديني والوطني كبير في درء الفتن والمصائب والتمزقات التي يحاول صناعها تسويقها داخل المجتمع بوشاح وشعارات سياسية دينية زائفة، ومن حق كل اليمنيين ان يتوجهوا إلى علمائهم الأجلاء ويدعونهم إلى الاضطلاع بدور أكثر فاعلية في مواجهة وتعرية صناع الفتن والساعين لتمزيق وحدة الوطن والذين يجمعهم اليوم تحالف شيطاني يجمع قوى الإرهاب الدولي القاعدي، وجماعة التمرد الحوثية، وجماعة الإرهاب الانفصالي، فعلماؤنا معنيون بالمبادرة إلى توعية القائمين والمعنيين بالخطاب والتوجيه الديني بشكل عام والتحري والحرص على أن يكون موجهاً إلى ما يجمع ويؤلف بين المتحاورين وكافة أبناء الشعب بالاعتناء بالخطاب الديني المتمثل روح الإسلام ومبادئه النقية وإرشادهم إلى ما أجمع عليه علماء الأمة وتجنيبهم أفكار المبتدعين والمتشدقين على المنابر الذين يسلقون الأذهان قبل الآذان بأفكار باطلة ويسممون الوعي، والمندس الذي يشق صف الشعب ويسبب الشحناء والبغضاء بين ابنائه، وأولئك الذين يتولون الإفتاء بدون علم وبدون سابق معرفة بعلم الشرع تؤهلهم لذلك ولا يُمحِّصون القول ولا يلتفتون إلا إلى ما لقنوا من قبل بعض الغلاة من مشائخهم فيما يقولون ، معرضين عما دُوِّن في المصادر الأولى المعتمدة من أمهات الكتب، التي تذكر صحيح العلم ولا تجرد الفقه من الأثر، ومعرِّضين الوطن والشعب للوقوع في دوامة العنف والصراع والجدل الفارغ مسفِّهين ومكفِّرين المخالف لما ألفوه وتقلدوه، واصفين إياه بأنه بدعة، ولو كان ثابتاً بسنة صحيحة.. المطلوب من العلماء والموجهين والتربويين وخطباء المساجد أن تتجه هممهم إلى التعاون على مافيه مصلحة الوطن وخير الشعب.. والدعوة إلى تحمل المسئولية في الحفاظ على اليمن سليماً معافى.. وأن يحافظ اليمنيون على ما يوحدهم وأن يبتعدوا عما يفرقهم، والتماس العذر للمخالف في الأمور الاجتهادية بعد بيان خطأه بالحسنى والنصح إن كان مخطئاً، كما كان الحال عند علماء الإسلام الأوائل.. تقع على كاهل علماء اليمن في هذه الأيام بالذات مهمة إنجاح الحوار الوطني وتقديم المشورة والنصيحة والرأي الهادف والمشاركة الفاعلة في صنع حاضر ومستقبل مزدهر وآمن للمجتمع وتحصين الوطن من أمراض العصر وكوارث الإرهاب والتطرف وإثارة الفتن والتمزق والانقسام. فالخطاب الديني الرشيد والوسطي الآخذ وسطيته من وسطية الإسلام ووسطية هذه الأمة من شأنه أن يخلق التوافق ويزرع الثقة بين المتحاورين ويجنب المجتمع والوطن التشظي والانقسام.. خطاب توفيقي بهذه الصفة ضروري لسلامة النتائج، وتحقيق الأهداف وإنجاح مؤتمر الحوار الذي سيحدد مصير الوطن، فمن أراد الإخلاص سهل عليه وترك ما لنفسه من أجل إصلاح غيره، ولا يلقاها إلا الصابرون.