أستغربُ كثيراً من الممتعضين للخبر الوارد من مقيل الرئيس السابق علي عبدالله صالح عن اعتزامه كتابة مذكراته الشخصية تحت عنوان « قصتي مع الثعابين » . فرغم أنه تقليد معروف عن المشاهير وسنّة دارجة في عُرف الرؤساء والملوك سواء من أشرف منهم بشخصه على كتابة مذكراته أم من بزغت سيرته الذاتية بعد موته ورحيله عن الدنيا دون أن نفقه من قام بكتابتها عنه ورسم مسيرة حياته وتفاصيله التي لا تعنينا أغلبها كمواطني شعوب مسحوقة تحت مخمليّة المذكرات الفارهة . غير أن مذكرات علي عبدالله صالح تُعتبر من أهم ما نحتاجه .. وخاصة في فترة عصيبة كهذه .. طالما والمتغيرات معنا ومن حولنا تعيدُ تشكيل عالمنا العربيّ وتهزّ أركان وأعمدة شواهقه التي انهارت دون سابق إنذار . نعم نحتاج لأن نعرف حقيقة 33 عاماً من تأريخ اليمن الحديث .. وعن الظروف التي جعلت البلد مشطورة بين أثرياء يتقاذفون الخيرات فيما بينهم .. وفقراء مشردين ومشتتين في أصقاع الدنيا .. وكادحين بداخل وطنهم الذي وهبوه عرقهم وطفولتهم وشبابهم ليمتصهم عيال الذوات في مراكز القرار بشقيه السياسي والقبلي . نريد من علي عبدالله صالح أن يقول مالم يقله طوال سنوات حكمه .. لعل ما سيقوله سُيظهر لنا حقيقة الوجه الخافي من الثعابين والراقص الذي لم تشفع له لياقته النفسية والعقلية أن تمنع عنه لدغة الثعابين في عقله وقلبه . نحتاج لأن تكشف هذه المذكرات ما طوته الحروب الباردة بين حلفاء الأمس أعداء اليوم .. وما أوقدته السلطة وتقاسمها من هشيمٍ تربّع على عرش قبحه وطن بأكمله . نريد من تيس الضباط أن يجيب على أسئلة 33 عاماً من الأوجاع والحروب والفقر والخنوع والتنكيل والثراء الفاحش لعليّة القوم .. ومصادر الدخل المشبوه .. والإقصاء والتهميش والعداوات . نريد من فارس العرب أن يروي لنا قصة مأساة المغتربين المنبوذين في بلدان إقامتهم .. والمدهوسين على الحدود بأقدام التعسف والجحود والإهانات وفقدان الكرامة يوماً بعد يوم . نريد من صاحب الفخامة ( سابقاً ) أن يفضح حقيقة رفاقه المتآمرين معه على استعباد الشعب ومحو هويته السامية إلا من فُتات رماد بقايا حديث «الإيمان يمانٍ والحكمة يمانية » .. ويضع النقاط على الحروف في قضايا مازالت عالقة حتى اللحظة منذ ثلاثة عقود .. أبرزها حقيقة مقتل الرئيس الحمدي .. وتصفية وتغييب الكثير من معارضي النظام السابق .. والمتاجرة بأهمّ خيرات هذا الوطن من النفط والغاز وغيرهما .. وكشف لغز الكهرباء .. وحقيقة العمالة الدنيئة من قطاع واسع من مشائخ البلد لجهاتٍ خارجية .. والأهم من كل ذلك عليه أن يجيب على السؤال المرّ : لماذا أمسينا وأصبحنا بعهد فخامته في أسفل سافلين من العيش الكريم وفقدان قيمتنا الحقيقية بين الشعوب !. على الرئيس السابق أن يقول ما لديه كاملاً دون رتوش .. ففي ذلك مصير وطن .. وغد مشرق مبنيّ على الشفافية والمعرفة .. وتبصير المواطنين المغلوبين على أمرهم بحقيقة من يحترف الضحك على ذقونهم والعبث بمصائرهم تحت لافتاتٍ كثيرة سياسية وقبلية ودينية. وأعتقد أن لديه الكثير مما نحتاج معرفته من مخططات تدميرية مضت وأخرى مازلنا نعيش في جذوتها .. وما تبقى من الخيبات التي مازال يعمل لتنفيذها في الخفاء البعض من أزلام النظام السابق ورفاقهم من الإخوة الأعداء . عليه أن يكتب ويدعم ذلك بوثائق وشواهد تؤكد ما يقوله .. وعلى من ترد شخوصهم في المذكرات أن يؤكدوا ذلك أو يدحضوه بحجةٍ أقوى .. لنخرج من نفق المؤامرات والتواطؤ بشكلٍ أو بآخر في تدمير إنسان هذا الوطن .