يوم بعد آخر تتكشف لنا الحقائق وتتساقط الوجوه والأقنعة قناعاً بعد قناع.. وتسفر عن وجوه متعددة الأقنعة وتظهر لنا الأيام كم كنا مخدوعين بأقلام وشخصيات ذات آراء ناقدة وجريئة وشعارات براقة تثير الإعجاب والحماس وكم لهثنا وانسقنا وراءهم تحركنا عواطفنا متأثرة بما قالوه وكتبوه ودون وعي منا أو إدراك لما بين السطور وما في الصدور. اعترف انه لم يكن أحد ليجرؤ – قبل قدح (البوعزيري) شرارة الثورات العربية – للدعوة إلى إسقاط النظام ورحيله إلا من قلة قليلة من سياسيين وكتاب وصحافيين ومشايخ.. كانت تقارع النظام ورافضة حكم العسف والاستبداد معرية أوكار الفساد وتفضح حجم الدمار والعبث بخيرات ومقدرات البلاد بانتقادات لاذعة وجريئة وادلة وحقائق دامغة. ولأن المزاج الشعبي قد بدأ بالتذمر والرفض لما يحدث تماهت الذاكرة الشعبية مع هذا الرأي الناقد وأصبحت واقعة تحت تأثير صدى ما يقولونه ويسطرونه في الصحف وغيرها من آراء ساخرة وتثوير الشعب وتنويره. وحين هبت رياح الحرية والتغيير وقال الشعب كلمته بدأت بعض الوجوه بالتلون والتبدل فهناك من واصل مشوار التحرر ورفض الظلم والقهر وهناك من ساند النظام بطريقة أو بأخرى من أول يوم ثورة .. وهناك من صمت وبقي مترقباً ما سيؤول إليه حال الثورة مع ان الأمر كله ببساطة شعب ثائر ضد حاكم جائر. ولكن هناك من لديه أكثر من قناع يرتديه وقت الحاجة وحسب الطلب ورأينا كيف أسفرت أقنعة الوطنية وحب الوطن عن وجوه رديئة تسعى إلى خلق مشاريع خاصة وصغيرة لهثاً وراء المال وحب الظهور ولا يهمها صواب ما تفعله من خطئه حتى وان ارتمت في حضن الخصم الذي ثارت عليه أو ارتهنت الخارج. أقنعة كثيرة تساقطت فبانت على حقيقتها .. صحافيون ومثقفون وكتاب لسنوات طويلة ظلت أقلامهم تطفح بالرفض والسخط من نظام صالح ملأوا الصحف صراخاً ونقداً وصدعوا رؤوسنا بنقدهم النظام بأشنع وأقذع الألفاظ فنالوا الشهرة وأصبحوا مثار الإعجاب ويشار إليهم بالبنان.. ولكن أثناء الثورة تغيرت مواقفهم واضطربت، ربما لأنها لم تضعهم في موقع الصدارة والريادة .. أو لأنهم اختلفوا في الساحات مع مكونات الثورة وإذا بنا نراهم ينفثون سموم حقدهم ورفضهم للآخر في مواقعهم والصحف وصفحات الفيسبوك فتناسوا ظلم وقمع النظام وتحولوا لأدوات بيد غيرهم تمزق الشباب وتثير الفتن. فالبعض يصف الثورة بأنها قد سرقت وان الأحزاب والعسكر والقبيلة سرقت ثورة الشباب وتحول البعض إلى خناجرتطعن ظهر الثورة بافتعال خلافات ومشاكل وحتى صدامات دامية بين مكونات الثورة. وفي طريق الثورة سقطت أقنعة الحوثيين.. فعندما جاءت الثورة برئيس جديد في انتخابات 21 فبراير ضلت أصوات ناخبي صعدة طريقها إلى صندوق (هادي) وفي 2006م ذهبت الأصوات إلى صندوق (صالح) الذي شن عليهم ست حروب. أما الحراك الجنوبي السلمي فله قضية سياسية وحقوقية عادلة بدأها بنضال سلمي حتى إذا حانت لحظة التغيير تحول فجأة الحراك السلمي إلى حراك مسلح ينشر الفوضى والعنف. وهناك من ارتمى في حضن الخصم نكاية وحقداً بآخرين ومن ارتهن وارتمى في حضن إيران نكاية بالسعودية وبدلاً من ان كنا نشكو من تدخلات السعودية في شئوننا صارت اليمن مرتعاً خصباً للتدخلات الخارجية بفعل هؤلاء المتساقطين على طريق الثورة والحرية. كثيرون لم يصمدوا في طريق الثورة وركنوا إلى مشاريعهم الخاصة والصغيرة وظنوا أنهم أصحاب رأي وقادة وذو شعبية جماهيرية قادرة على امتلاك وتثوير الشارع أنى أرادت متصنعين الزعامة والقيادة وحب الذات. ولهؤلاء المتساقطين ولغيرهم نقول لهم بما وصفهم أو وصف الأصوات الصاخبة التي لا سقف ولا حدود لها الأستاذ ياسين سعيد نعمان بقوله (كم هي مخيفة الأصوات الصاخبة التي لا سقف لها أصحاب هذه الأصوات لا يستقرون على حال.. وفي نهاية المطاف يستقرون في حضن الخصم الذي يثورون عليه يتحكم فيهم الغضب والحنق تجاه كل شيء وتتملكهم الحماقة التي تجعلهم يرون كل شيء خاطئاً طالما أنهم لا يتصدرون المشهد ولا يتحكمون به). جزى الله الثورة عنا ألف خير عرفتنا حقيقة ثوارها من أثوارها.