إزاحة صالح من الحكم مثل الطريق الأول للحرية والمساواة والديمقراطية وتحقيق حلم الدولة المدنية المنشودة .. هذا هو المتفق عليه بين اليمنيين حالياً على اختلاف مشاربهم الاجتماعية وتكويناتهم السياسية.. ولكن .. من الذي أزاح صالح؟ وما الذي مهد الطريق لإزاحته؟ وهل كانت إزاحته بفعل الثورة الشعبية التي أذهلت العالم ليس فقط بسلميتها بل بحكمتها أيضا؟ أم كانت بتأثير قوى سياسية واجتماعية وفردية ضاغطة ؟ هناك جدل محتدم هذا اليوم بين أروقة الساسة وغرف الصحفيين وصفحات الفيس وحتى في وسط الشارع حول تفاصيل الإجابة على التساؤلات السابقة.. وهو جدل طبيعي لولا صخبه المملوء بغبار التخوين والتخوين المضاد, والأخطر أن هذا الغبار نقلته رياح التجاذبات السياسية إلى الساحات الثورية, لنسمع منها أصوات صاخبة تنشغل بالجزئيات السياسية بدلاً عن الكليات الوطنية, وتتخندق (مع أو ضد), وأخاف أن تتوه معها الساحات بعيداً عن “الشعب يريد بناء يمن جديد”. أفكر كثيرا بأن أذهب إلى جميع الساحات للبحث عن الثوريين الحقيقيين الذين ربما يشاركونني هذا الخوف ويؤلمهم – كما يؤلمني- أن تصبح ساحات الحرية والتغيير مصدراً للخصومات بين اليمنيين بدل أن تكون مرجعاً لتسامحهم, أنا هنا لا أتهم أحدا في الساحات بعدم الثورية أو أشكك في قلة الوطنيين فيها. فالساحات مكتظة بكم هائل من الكائنات المختلفة الاتجاهات والألوان المتنوعة الأفكار, فالكل ثوار.. ومن منا بشكل او بآخر ليس ثائراً؟ لكن .. ما الذي هو حاصل في ثورتنا؟ الإعلام (المرئي خصوصا) ضخم الأصوات الصاخبة المتضخمة بالأنا (وهي قليلة) على حساب الأصوات الثورية النقية .. وتجاهلت الثوري المتمرد المصاب بهيجان دائم رافض للظلم والقهر والاستبداد الطامح إلى الحرية, الذي لن يعود إلا بعد تحقيق ما خرج اليه من أهداف وطنية جامعة.. الذي يمتلك وعياً سياسياً ناضجاً مساوياً لحماسه الثوري المتقد. على الثوار في الساحات أن يدركوا أن الانتصار الذي تحقق سياسياً برحيل صالح وصعود عبدربه للسلطة ما كان ليكون إلا بروح الثورة وصبرها, وأن ثورتهم الحقيقية تبدأ الآن بأن ينأوا بأنفسهم عن أي مصلحة آنية تفرقهم, فحب الحرية والتحرير هي المصلحة الوحيدة التي تجمعهم, كما أن عليهم إدارة خلافاتهم بمظلة القيم الإنسانية لا الحزبية الضيقة, وأن لا يلتفتوا إلى المتساقطين على هامش الثورة, ممن باعوا ثوريتهم بثمن بخس, أو ممن أصيبوا بجنون الزعامة التي “خلقتها الثورة على عجل” ولذا نراهم يرتمون في “حضن الخصم الذي ثاروا عليه” كما هو تعبير الدكتور ياسين سعيد نعمان. قلبي على الثورة وعيني على المستقبل. ولذا أقول لا نريد أن نخدع مرة أخرى بمن يصرون على تقديم أنفسهم ثوريين وقد كشفت الأحداث معدنهم اللاثوري, فنحن لم ننتصر بعد. ما زلنا بحاجه لثورات وثورات.. ومازلنا بحاجه لثوريين حقيقيين. فلنكن ثوريين بحجم هذا الوطن. أو لنرحل.