كان أول رئيس وزراء لإسرائيل بن غوريون قد أعلن: “إن على إسرائيل أن تحاصر الدول العربية من خلال تحالفها مع كل من تركياوإيران وأثيوبيا؛ وذلك بهدف التقليل من عزلتها وتحقيق أهدافها”. ومن هنا فقد سعت إسرائيل باستمرار لتوثيق علاقاتها مع إيران، وخاصةً في فترة شاه إيران. أما بخصوص إيران فإنها نظرت إلى إسرائيل منذ قيامها عام 1948 باعتبارها حليفاً استراتيجياً. وعندما قامت الثورة الإسلامية في إيران عام 1979 وأعلنت رفضها شرعية الكيان الصهيوني وقطعت العلاقات معه مباشرة، وسلمت السفارة الإسرائيلية السابقة إلى منظمة التحرير الفلسطينية، جعلت الجمهورية الإيرانية الإسلامية دعم القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها. في الوقت الذي كانت فيه أهم الدول العربية، مصر، قد بدأت مفاوضات مع إسرائيل أدت إلى اتفاقيات سلام معها، ليتبعها الأردن فيما بعد. وخلال ذلك، وربما بسبب هذا التحول، تعرضت الجمهورية الإسلامية الإيرانية لهجوم عسكري عراقي مؤيد من الدول العربية والغرب؛ لأنها أفقدت الدول العربية وسيلتها الديماغوجية للاستمرار في حكمها القمعي لشعوبها مع استمرار تبعيتها للغرب. وبعد فشل حرب الغزو التي استمرت ثماني سنوات، تعرضت منظمة التحرير الفلسطينية إلى ضغوط عسكرية ومالية وديبلوماسية عربية وإسرائيلية ودولية منسقة أدت إلى اعتراف المنظمة عام 1988 بدولة إسرائيل، ثم جاء مؤتمر مدريد عام 1991 عقب إنهاء الغزو العراقي للكويت، لينتج عنه إقامة علاقات بين بعض الدول العربية وإسرائيل، ثم اتفاقية أوسلو، وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية التي غرقت في مفاوضات بيزنطية، بينما تقضم إسرائيل أراضي الضفة والقدس. وبالتوازي مع تحالفها مع سوريا تمكنت إيران من إيجاد حليف قوي لها في لبنان هو حزب الله الذي تمكن من طرد إسرائيل من الجنوب اللبناني عام 2000، ثم من الصمود أمام جبروت الآلة العسكرية الإسرائيلية عام 2006 وألحق بها أذى كبيراً، إضافة إلى مساسه بالعمق الإسرائيلي. كما تمكنت من إيجاد حليف قوي آخر لها في فلسطين ذاتها هذه المرة في صورة منظمة حماس التي تمكنت من فرض سيطرتها على قطاع غزة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي منها. وقد عملت الولاياتالمتحدة والدول الغربية مع حلفائها العرب على إشعال أوار حرب طائفية بين السنة والشيعة أينما أمكنها ذلك، وهو ما يجري اليوم في سورياولبنان واليمن والمناطق القبلية الباكستانية. وطبقاً للدكتور سعيد الشهابي فإن الرهان الغربي كان، ولايزال، على وجود خطين إسلاميين متباينين (شيعي وسني) إزاء قضايا الأمة المصيرية، خصوصاً إزاء قضية فلسطين والنفط والعلاقات مع الغرب، وما يعتبره من “شراكة” اقتصادية وعسكرية. ولذلك كان يعمل ولايزال على تكريس ما يعمق الخلاف خصوصاً على الأصعدة الطائفية والعرقية والأيديولوجية السياسية. ***** الإسلام السني والشيعي النبي الأعظم (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) عربي، والقرآن أنزل باللغة العربية، لا مشاحة في ذلك ولا جدال، وكثيراً ما تم التفكير بالإسلام باعتباره ديناً عربياً. وقد كان الإسلام كذلك بالفعل حتى معظم القرن السابع الميلادي، ولكن الحضارة الإسلامية التي تشكلت بعد ذلك كانت في معظمها فارسية. ويقوم الأيديولوجيون الإسلامويون بتصوير التنازع الحالي بين الدول العربية وإيران وكأنه نزاع على هوية الإسلام، ويصوّرون أنهم يأخذون فيه جانب أم المؤمنين عائشة وجانب معاوية والأمويين، بينما يناصر الفرس الإمام علياً - كرّم الله وجهه - وآل بيته - رضوان الله عليهم - ويحاول من يسمون أنفسهم بأهل السنة تصوير التشيع بأنه نزعة فارسية ذات أصول فارسية، مع أن التسنن المعتمد على السنة النبوية مصادره الرئيسية من تأليف الفرس. وعلى رأس هذه المصادر: البخاري الذي ينتمي لمدينة بخارى، ومسلم النيسابوري، والنسائي الذي ينتمي إلى مدينة نسا، وأبو داوود، والترمذي، وابن ماجة... إلخ؛ فكل هؤلاء كانوا ينتمون لبلاد فارس، حسب التقسيم الجغرافي آنذاك. وهم الذين دوّنوا السنة وأحاديث الرسول (صلى الله عليه وآله) التي يعتمد عليها أهل السنة في بناء عقيدتهم وتأسيس أحكامهم. في مقالته “عولمة الإسلام” قال البروفيسور ريتشارد سي فولتس: إن عدداً من الأشخاص ذوي العقلية النقدية تولوا تجميع القصص عن الرسول، وقد سعوا إلى بناء مصداقية لتلك القصص عن طريق تحليل سير أولئك الذين نقلوا تلك القصص والأحاديث، وكانت نتيجة هذا النشاط البحثي المكثف - الذي استمر حتى القرن التاسع الميلادي - بناءً ضخماً من الأدبيات التي تدّعى (الحديث). وقد اعتبر معظم المسلمين الحديث مصدراً للتشريع يقع في المرتبة الثانية بعد القرآن، ويظهر أن تزايد عالمية الإسلام كان عاملاً أساسياً في جمع الحديث، ذلك أن مجموعات الحديث الستة المعترف بها من قبل المسلمين السنة إنما تم جمعها في العالم الفارسي. وكذلك كان أبو حنيفة النعمان فارسياً، وهو صاحب المذهب المشهور، فهل يمكن القول: إن مذهب الأحناف أصوله فارسية؟. وفي الوقت الذي دمّر فيه المغول الخلافة الإسلامية في العام 1258م، كان الأدب والتصوير والعمارة والتعليم الإسلامي قد تم تشكيلها بواسطة الأعراف الفارسية، وعندما يأخذ المرء بعين الاعتبار المساهمة الفارسية في النظم الإدارية والمالية والقانونية، وعلوم الإلهيات والفلسفة، فإنه من الواضح أن الثقافة الفارسية لعبت دوراً هاماً في تشكيل تطور الإسلام، وهو دور - كما وصفه أحد الباحثين لم يكن أقل من تأثير الحضارة الهلينية في تشكيل انبعاث الثقافة المسيحية. وخلال تلك الفترة كان الغرب الإسلامي، والسوريون، والمصريون، والبربر، والأسبان، وآخرون، قد أسهموا في تطور الإسلام. ومنذ القرن الحادي عشر جلب كلٌ من الأتراك والهنود وأقوام آسيويون آخرون تأثيرهم إلى الحضارة الديناميكية الإسلامية. واليوم فإن أقل من 15% من المليار المسلم هم من العرب، وهناك مسلمون يبلغ تعدادهم ضعف تعداد العرب يعيشون في جنوبي آسيا. ومن السنغال إلى الفلبين، كان المتحوّلون إلى هذا الدين قد حقنوا ثقافاتهم وعاداتهم المحلية في الحقيقة المتنوعة التي هي عالم الإسلام، ومساهماتهم المستمرة هي جزء من عملية بدأها أول معتنق للإسلام منذ أكثر من ثلاثة عشر قرناً.