الحديث عن الولاء الوطني حديث عن الأحزاب وسلوكياتها باعتبارها من عملت على تحوير الولاء من ولاء وطني إلى ولاء حزبي. لكننا لا ننكر أن العملية الديمقراطية التي شهدتها اليمن منذ بدايتها مثلت خطوة هامة في تكوين الوعي السياسي لدى المجتمع اليمني، إلا أن الأحزاب فشلت بعد ذلك في توطيدها نتيجة نظرتها الضيقة التي لا تتجاوز مرمى الهدف. فقد سعى كل حزب إلى استقطاب الأفراد إليه بفلسفة ديماغوجية، جاعلاً معنى الوطنية لا يتجاوز خارطة حزبه، مما ولَّد أزمة في الولاء، خصوصاً من قبل بعض الأحزاب التي توطن ذلك عن طريق الفكر, والذي نجد الشطط عند أفراد هذا الحزب من خلال إلغائهم للآخر... والإسراف بالقداسة لممثليهم، مما جعلهم أنصاف آلهة, إلى جانب عدم منطقهم في الحوار, خصوصاً إذا لم يتوافق الحوار مع ما يؤمنون به. لكن الأحزاب الأخرى لا تنأى بنفسها عن الوقوع في نفس الخطأ؛ حيث يسعى البعض إلى اختزال الوطن بشخص الحاكم, مع التركيز على احتفاظ بعض من منتمين هذا الحزب بالنبرة التخوينية لمن يتعارض معهم, بينما يسعى البعض إلى جعل الوطن مرتبطاً بنظرية معينة تقترب من شبه العدالة المطلقة. البعض الآخر وسعوا نظرتهم حول مفهوم الوطن وصولاً إلى الوطن الأوسط الذي يستمد هويته من البعد القومي.. دونما قيامهم بالاجراءات الضرورية لتطويرهم ككيان, باستثناء احتفاظهم بشعارات نجدها ضعيفة أمام عالم تفرض متغيراته قوى عالمية من خلال متغيرات ملموسة لا تكتفي بالجانب التنظيري. وهكذا.. ليبقى المواطن اليمني متأرجحاً بين تلك الأيدلوجيات. الأمر الذي يجعلنا نضع بين أيدي المتلقي ماهية الوطن من خلال المعادلة التالية “1×1 = 1” الأرض جسد، الإنسان روح الاهتمام بأحدهما...عامل من عوامل البقاء الإهمال.. عامل موات الاهتمام بكليهما.. يحمل معاني الخلود.. البعض قد يقتصر فهمه لمفاهيم الأوطان بحصرها على عنصر الأرض. واليقين أن العملية أحادية لا تقبل التجزئة كالمعادلة الرياضية 1×1 =1، الإنسان × الأرض = وطن. ولا يمكن أن تكون النتيجة كذلك دون وجود نظام؛ فالأخير يمثل العامل (×) فمن دونه قد لا نحصل على هذا التفرد. مع ضرورة احتفاظ النظام بالأمور الجوهرية التي تمثل أوتاد بقائه واستقراره والتي يتوجب عليه العمل على تحقيقها- كالعدالة، والحرية، والمساواة، والوضع الآمن للفرد والمجتمع في جميع مجالات الأمن- ضمن الاستراتيجيات التي يعدها لتحقيق ذلك.. ولمن يظن أن وجود الحكومات بقوانينها وسلطاتها وجود عبثي نقول: من دون العامل (×) والذي يمثل النظام قد لا تكون النتيجة واحدة.. قد لا تكون النتيجة وطن. فعندما يتغير العامل في هذه المعادلة تتباين النتيجة. فعامل الجمع قد يحمل معنى التشظي وعامل الطرح قد يجعلنا في خانة الصفر، ذلك الذي اخترعه العرب فلم يغادروه. لذا تبقى مرتبة المواطن اليمني لدى الأحزاب بحكم مرتبة الصفر. يزيد من رصيدها من خلال وقوفه إلى جانبها، ولا تزيد من رصيده نتيجة غيابها عنه, إلا أن ما نتمناه أن تكون ثورة فبراير قد خلقت وعياً جديداً عند كافة شرائح المجتمع اليمني بما فيها الأحزاب حول مفهوم الوطن وحول مفهوم الانتماء وإن كانت مساحة الأمل بتحقيق ذلك شبه غائبة بعد أن وجدنا الأحزاب تتاجر بالثورة لمصلحتها الشخصية, الأمر الذي قد يجعل جميعنا أمام مقولة لها حضورها.. بأن الوطن هو ذلك المكان الذي تصان فيه كرامة أبنائه أينما وجدوا.