ما زال الربيع العربي يحبو على ركبتيه، ليس في اليمن فقط، بل في عموم العالم العربي الذي يتكشّف يوماً بعد يوم عن متاهة لا يمكن حل معضلاتها وتداخلاتها خلال فترة زمنية قصيرة كتلك التي حدت بالملايين إلى المراهنة على حلول ناجزة في فترة قصيرة، فالجمهوريات الاوتوقراطية العربية ما زالت في غرفة الإنعاش، ولم تمت بعد، وليس لها أن تغادر الفانية بين عشية وضحاها بعد أن تربّعت في سدة الحكم والحكومات عقوداً، وفخّخت المجتمعات العربية بسرطان الفساد القاتل، فكان ما كان مما سيبقى في سفر التاريخ المظلم لأُمة سادت ثم أوشكت على أن تنقرض. كانت اليمن محظوظة مرتين .. مرة لأن فرقاء الساحة السياسية المُشرْعنة ارتقوا إلى مستوى المسؤولية واستوعبوا أهمية التوافق والتنازلات الشجاعة من أجل الوطن، وأُخرى لأن دول الإقليم العربي المدعوم بالشرعية الدولية انخرطوا في المشكلة من موقع الناصح الأمين، والداعم الرائي لأهمية الفناء الخلفي لجزيرة العرب، وهو ما كشفت عنه المبادرة الخليجية التي ظلت مطروحة على الطاولة بالرغم من تأبّي بعض فرقاء النظام ورفضهم المُبطّن لها، وحالما وصلت المسألة إلى مجلس الأمن تنازل “ أشاوس” النظام مُراهنين على الزمن والتدويخ والتعطيل، وهو ما يظهر جلياً هذه الأيام، فمن انتشار مشبوه لما يُسمى بالقاعدة، وخاصة في المحافظات الجنوبية وتلك المتاخمة لها في جنوب الشمال، إلى انقطاعات مُتعمّدة للتيار الكهربائي في أغلب المدن اليمنية، وصولاً إلى تلغيم الدروب أمام حكومة الوفاق الوطني التي تجد نفسها عاجزة عن حل القضايا المطلبية المتواترة، في ظل موروث ثقيل من الاستحقاقات العاجلة. الرئيس الشرعي المنتخب عطفاً على انتخابات رئاسية توافقية استلهمت روحية المبادرة الخليجية يجد نفسه أمام تحدٍ من نوع صارخ، فالقرارات الجمهورية التي أصدرها للبدء في إعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن، وبالتوافق مع مرئيات المبادرة الخليجية تُرفض جهاراً نهاراً، ويصل هذا الرفض المعلن إلى حد التمرد على الشرعية التي تمثل ركن أركان الاصلاح والاسترخاء السياسي وتعزيز الشرعية التوافقية. والشاهد أن تلك القرارات تتّصل عملياً بإعادة هيكلة الجيش، وتحويله إلى مؤسسة وطنية تخضع لإشراف وزارة الدفاع، بحيث تنتفي الولاءات الشخصية والعائلية والمناطقية،ويتم ترصيف الطريق للانتقال إلى جيش مهني يلتزم بالقرار السياسي ويدافع عن الوطن، بدلاً من محاصرة المدن، ونصب الصواريخ في ضواحيها، وتوجيه فوهات المدافع والراجمات إلى رؤوس العباد، كما يحدث الآن بصورة أخص في العاصمة صنعاء.