ارتبط اسم جمال بن عمر باليمن ارتباطاً وثيقاً باعتباره المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، فكان لتحركاته الكوكبية من وإلى اليمن الدور الأكبر في صناعة التسوية السياسية للأزمة التي مرت بها البلد وتمخضت تلك التسوية في وثيقة المبادرة الخليجية التي أخرجتنا نحن اليمنيين من أتون الأزمة بأحسن حال من دول خاضت نفس الظروف ولعل سوريا وما يحدث فيها شاهد على ما أقول.. وكان ابن عمر ولايزال مرافقاً ومتابعاً لكل خطوة من خطوات تنفيذ المبادرة الخليجية بآليتها المزمنة وهو بذلك حاضر في كل فعاليات اليمن الحديث في حرص أكثر من قيامه بوظيفة مناطة على عاتقه حتى كأنه يمني أكثر حرصاً على اليمنيين من أنفسهم؟! فاليمنيون مدينون لهذا الرجل بالكثير فحسن وساطته صنع سيناريو أقل رعباً مما كان يلوح على الأفق، ولو قارنتم بين جمال بن عمر في اليمن وكوفي عنان في سوريا وكلاهما يؤدي نفس الدور لوجدتم الإجابة واضحة والبون شاسع بين الرجلين.. لكن يدور تساؤل: من هو جمال بن عمر؟ المتعقل العصامي جمال بن عمر، دبلوماسي مغربي من مدينة تطوان، حيث يتحدر من أسرة ريفية يبدأ نضاله منذ أن كان تلميذاً بإحدى ثانويات مدينة تطوان. كان ذلك في عام 1976م، في عز ما سمي في المغرب بسنوات الرصاص، حيث اعتقل بتهمة تعاطفه مع يسار السبعينيات في المعتقل السيئ الذكر بمدينة الدار البيضاء، وذاق شتى أنواع التعذيب السادي الذي كان يتقنه جلادو النظام. وبعد أن صدر عليه الحكم بالسجن سيجد نفسه، وهو طفل غر بالسجن المركزي بالقنيطرة، وهو المعتقل الذي كان يودع به المعتقلون أصحاب الجنح “الخطيرة”، و”العقوبات الحبسية الطويلة”. ومن داخل السجن حصل جمال على شهادة الثانوية، وبعدها على شهادة البكالوريوس، وبدأ التحضير لشهادة الماجستير في فرنسا عن طريق المراسلة. وكان من حظه أن المشرف على رسالته لم يكن سوى ميشيل روسي، أستاذ القانون الذي كان الملك الراحل الحسن الثاني يعهد إليه بكتابة دساتيره الممنوحة. ولما انتبه الأستاذ إلى نباهة تلميذه المعتقل، استغل مناسبة رسمية، أثناء وجود الحسن الثاني في زيارة رسمية إلى فرنسا، ولما توصل بدعوة حضور حفل استقبال كان الملك الراحل قد دعا إليه، اشترط أن يكون حضوره مقابل تلبية طلب سيقدمه للملك. وعندما حضر كان طلبه هو إطلاق سراح طالبه المعتقل بالمغرب. فاستجاب الملك له فوراً وأطلق سراح جمال بن عمر في الحين، فوجد جمال بن عمر نفسه في صيف عام 1983م، حراً طليقاً وهو يجوب شوارع مدينة الرباط التي لم يكن يعرف فيها إلا رفيقه في درب النضال والسجن الحبيب بلكوش، فمكث عنده في بيته لمدة تربوا على السنة. كان هم جمال بن عمر خلالها هو الحصول على جواز سفر ومغادرة البلد الذي عذبه واعتقله، فسافر إلى مدينته تطوان، ولسوء حظه صادف وصوله إليها اندلاع أحداث عام 1984م، فتم اعتقاله وقضى عشرة أيام رهن الاعتقال تعرض فيها للتعذيب. الهروب عبر البحر عندما أفرج عنه كان قراره جاهزاً، وهو العبور إلى الضفة الأخرى بأي ثمن. فكان جمال بن عمر أول عابر يعبر المضيق سراً ليس بحثاً عن الخبز، وإنما بحث عن الحرية. وبحكم علاقاته مع نشطاء حقوقيين وجد جمال من يستقبله في لندن واشتغل ضمن طاقم “أمنستي أنترناسيونال”، وترقى بها حتى أصبح الشخصية الثانية داخل أكثر المؤسسات الحقوقية احتراماً في العالم. وعندما زار الملك الراحل الحسن الثاني لندن عام 1986م، كان جمال وراء فكرة الاحتجاج الذي نظمته “أمنستي” لاستنكار استقبال ديكتاتور خلف وراءه سجوناً مكتظة برفاق دربه. ومن لندن سافر جمال إلى جنيف، والتحق بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ومرة أخرى سيفاجئ جمال الوفد المغربي الرسمي في منتصف التسعينيات، عندما جاء وفد رسمي مغربي للدفاع عن سجل المغرب في مجال حقوق الإنسان. كان ذلك عام 1995م، أي سنة بعد العفو الذي أفرج بموجبه عن أغلب معتقلي سنوات الرصاص. احتج جمال مرة أخرى، وهذه المرة على حضور جلاد معروف ضمن تشكيلة الوفد المغربي. وكان الأمر يتعلق بالجلاد اليوسفي قدور، الذي أشرف على التعذيب والتنكيل بنزلاء كوميسارية درب مولاي الشريف وكان من ضمنهم جمال بن عمر. كانت تلك فضيحة كبيرة بالنسبة للوفد الرسمي المغربي الذي حرم من تقديم سجله أمام مجلس حقوق الإنسان وحرم أيضاً من الحصول على امتياز فتح مركز لحقوق الإنسان يخضع لرعاية المجلس الأممي. سلطة رابعة وحتى بعد وفاة الحسن الثاني، ودخول المغرب إلى ما سمي ب”العهد الجديد”، ظل جمال بن عمر، يحتفظ بمسافة مع العهد الجديد، ولم يدخل إلى المغرب إلا عام 2005م، على إثر وفاة والدته وبعدما أقنعه بعض رفاقه بأن الأمور بدأت تتغير. مازال جمال يعود إلى المغرب بين الفينة والأخرى، لزيارة الأهل وصلة الرحم. وداخل أروقة الأممالمتحدة مازال شأن هذا المغربي يتعاظم، لكن في صمت حتى بات يشكل لوحده “سلطة رابعة” داخل حكومة العالم.