يحب الفنان أن يعمل وفق مزاجه، فالمزاج وحده الذي يضبط الفنان وليس غير، فأنت لاتعلم متى يعمل, في الصباح، المساء، وسط الليل، عند الفجر، زوجه وحسب تعلم أحياناً متى يعمل، ومتى يحب ومتى يكره، فزوج الفنان لابد أن تكون أماً ووالداً، وجاراً وصديقاً لزوجها الفنان، وعادةً مايكون عمرها قصيراً.. أو تكون شبه عاقل أو شبه مجنون! إن الفنان أثناء عمله يغيب عن وعيه الخارجي، فلا تحادثه أثناء عمله ولا تحاول أن تخرجه من دائرة لذته .. يستوي في ذلك الرسام والميكانيك ومهندس الراديو والساتلايت وقائد الطائرة وطباخ الفول ومخترع الموضة والمطرب. عندنا (فقي) قرية، لا ينشد إلا إذا أصغى كل من في المجلس وتهيأوا للسماع وإذا لاحظ اثنين يهمسان أو يتحادثان يتوقف من فوره عن الإنشاد.. مزاج. أما المجنون فتعريفه أنه فاقد العقل، غير مدرك لما يحدث حوله، فأي تصرف يتصرفه غير ملوم، وعاقلته إن وجدت أو الدولة هي التي تقوم بدفع دية من قتله المجنون ولا يقبل الله منه إسلاماً ولا كفراً لأنه ساقط التكليف فاقد الأهلية. وإذا كان المجتمع قد تواضع على أن (الجنون فنون) فذلك أن الجنون ليس صنفاً واحداً فعبارة (الجنون فنون) صيغة مجازية، صيغة مبالغة، كأن هذا المهندس الذي يظل يعمل ثلاثة أيام متصلة مجنون، كأن هذا الذي يخاطر بحياته فيجتاز منطقة محظورة لمقابلة حبيبته مجنون، ولذلك فإن هناك أكثر من مجنون حب، مجنون ليلى ومجنون سعاد ومجنون لبنى, واضطر أهل ليلى أن يشكوا قيسًا لأنه يتغزل بها ويعرض لها في البادية، يقطع الصحراء ليناجيها بمواجيد الحب ويبادلها ما يثيره الشوق ويفعله الغرام، فلمّا لم تنفعه محاذير الوالي الأموي، أباح دمه. والسائق الذي يتجاوز السرعة المعقولة مخاطراً بحياته وحياة الركاب مجنون، وصاحب القات الذي يسقيه السم الزعاف مجنون, والسياسي الذي لا يراعي مصلحة شعبه مجنون, والعسكري الذي يطلق الرصاص على من يسبه مجنون، والمرأة التي لا تقوم برعاية أسرتها على نحو ممتاز مجنونة, والطبيب الذي يتدرب على مرضاه مجنون، والذي يمضع القات صباح مساء بشكل متصل مجنون .. غير أن هذه الطائفة من المجانين مسئولة عن عملها .. ومن دعاء النبي الكريم (اللهم متعنا بأسماعنا وأبصارنا أبداً ما أحييتنا, نعوذ بك اللهم من جهر البلاء ودرك الشقاء”.