يقول البنك المركزي اليمني، ومعه بعض الأصوات الإعلامية المتحمسة، إلى أن التحسن الأخير في سعر صرف الريال، يعود إلى الإجراءات التي اتُخذت مؤخرًا لضبط السوق المصرفي والصرافين المضاربين بالعملة. ورغم أن هذه التبريرات تبدو منطقية على السطح، إلا أنها في جوهرها تُعد إدانة صريحة للإدارة البنك المركزي، إذ تفتح الباب أمام تساؤل جوهري:
لماذا لم تُتخذ هذه الإجراءات مبكرًا؟ ولماذا انتظر البنك حتى بلغ الانهيار ذروته، بدلًا من التدخل الاستباقي لحماية الاقتصاد من المضاربة والفوضى؟
والحقيقة أن ملف تلاعب الصرافين بسوق العملة ليس جديدًا، وقد تم التنبيه له مرارًا، بل إن أصغر محل صرافة كان يحتفظ في خزنته باحتياطي من العملة المحلية والأجنبية يفوق ما يملكه البنك المركزي نفسه. ومع ذلك، استمرت هذه الصرافات في العمل، مدعومة بشكل غير مباشر عبر شبكة فساد واضحة، كان من خلالها يتم شراء تراخيص الصرافة وتجديدها بمبالغ ضخمة تُدفع كسمسرة، وليس وفقًا لمعايير مهنية أو تنظيمية.
الأخطر من ذلك أن الصرافين تجاوزوا دورهم التقليدي، وتحولوا فعليًا إلى بديل غير رسمي للبنوك، ما أدى إلى تعطيل واحدة من أهم وظائف الجهاز المصرفي وهي "خلق النقود" من خلال الودائع والاستثمار في الاقتصاد. فبدلًا من أن تُضخ السيولة في الأسواق ويتم تحريك عجلة الإنتاج، تم احتجاز النقد في خزائن الصرافين، مما عرقل الدورة المصرفية ومنعها من أداء وظيفتها التنموية.
لذلك لا يكفي الترحيب بتحسن سعر الريال، بل يجب أن نذهب أبعد من ذلك، ونعيد النظر في دور البنك المركزي بصفته "أبو البنوك"، لا مجرد مشاهد صامت يتلقى الفتات من تجار العملة كما كان يحدث سابقًا.
اليوم، لدينا شبكة من البنوك المرخصة والقادرة على تلبية احتياجات السوق، وهو ما يجعل استمرار الاعتماد على الصرافين غير مبرر اقتصاديًا. خاصة أن الكثير منهم راكم ثروات ضخمة وتحول إلى مستثمر داخلي وخارجي على حساب المواطن العادي الذي ظل يدفع ثمن غياب الرقابة وضعف السياسات النقدية.
الفرصة ما تزال قائمة لإعادة ترتيب المشهد المصرفي، لكن البداية يجب أن تكون بفصل الصرافة عن مهام البنوك، واستعادة البنك المركزي لدوره الريادي كجهة تنظيمية وسيادية تدير الاقتصاد لا تتعايش مع فوضاه.