في أجواء رمضانية، يبدأ العرض بموسيقى هندية ولقطات من فيلم هندي مستوحى من قصة الحب العربية الكلاسيكية "قيس وليلى". هكذا افتتح المساء الذي خصصه مهرجان روتردام الشعري العالمي للاحتفاء بليلى العامرية ومجنونها. افتتاح لا يخلو من الدلالات كمدخل لهذه القصة الخالدة والعابرة للحدود، حيث أجمع معظم المشاركين على عالمية وخلود قصة قيس وليلى، وتأثيرها في آداب مختلف اللغات. فقد صُدم بعض الحاضرين بآراء شاعر أفغاني شاب، رفض الحديث عن قيس وليلى، قائلاً إنها "جزء من ثقافة فُرضت بالقوة على إيرانوأفغانستان، بسبب الإسلام". وكان الأكثر إثارة للاستغراب تشبيهه محاولة فرض قصة حب عربية على شعبه، بما وصفها "المحاولة الأمريكية لفرض الديمقراطية بقوة السلاح في أفغانستان"!!. قصائد قيس بن الملوح نفسه كانت حاضرة أيضاً، حيث قرأها باللغة الهولندية ثم بالعربية الشاعر الهولندي-المغربي حافظ بوعزة، الذي ترجم العديد من القصائد العربية الكلاسيكية. وإلى جانب ملاحظات ممن يجيد اللغة العربية بين الحاضرين حول النطق غير السليم، والإلقاء البارد للقصائد باللغة العربية، فإن الحوار بين حافظ بوعزة ومنشط الجلسة أصغر سيد غراب، لم يخل من لحظات توتر بسبب الأسلوب الاستعراضي لبو عزة، الذي يصل أحياناً إلى درجة اتهام الآخر بالسذاجة والجهل من دون مبرر.
برنامج المهرجان وأشار الصحفي العربي الذي كان حاضراً في أجواء الاحتفال شعلان شريف، قائلاً: خصص مهرجان روتردام الشعري في هولندا في دورته الحادية والأربعين يوماً للاحتفاء بقصة الحب العربية الكلاسيكية، ليلى والمجنون. بدأ الاحتفاء نهاراً بعرض مشاهد من فيلم "حبيبي راسك خربان" للمخرجة الفلسطينية سوزان يوسف، مع محاضرة لإيهاب سلول، الأستاذ في جامعة ماستريخت الهولندية، حول توظيف الشعر في السينما الفلسطينية. والفيلم الذي أنجز أواخر 2009، يحكي نسخة فلسطينية معاصرة من قصة الحب الكلاسيكية، حيث تضطر العاشقة (ليلى) إلى الانتقال إلى قطاع غزة، لأن تصريح الإقامة الخاص بها وعائلتها لا يجيز لها البقاء في الضفة الغربية، حيث كانت يعيش حبيبها قيس. ويضيف شريف "المساء كان مزيجاً من الموسيقى والرقص، والشعر، والحوارات. منشط الجلسة، الأكاديمي الإيراني الأصل، أصغر سيد غراب، حاول في تقديمه عقد مقارنة بين قصة الحب العربية-الشرقية، ومثيلاتها في التراث الغربي، قبل أن يبدأ بتقديم الشعراء المشاركين في الأمسية، ليقرؤوا من أعمالهم قصائد عن الحب والجنون. شعراء قادمون من ثقافات مختلفة، يكتبون بلغات مختلفة، وقد وحدتهم لغة الحب العالمية". وبخصوص الشعر العربي الحديث، فقد كان حاضراً في أمسية "الحب والجنون" الذي قرأ فيها الشاعر السوداني الصادق الرضي بعضاً من قصائده. وبعد انتهاء الأمسية عبر الرضي عن سعادته لاختيار المهرجان قصة الحب العربية وجعلها محور اليوم. وقال "هذا اعتراف بأهمية أثر المساهمة العربية والإسلامية في الإبداع العالمي، وقد شعرت بالفخر بهذا الاختيار".
أوبرا المجنون وتعرف الأوروبيون على قصة قيس وليلى، بالدرجة الأولى، عبر نسختها الفارسية من خلال الملحمة الشعرية التي أنجزها الشاعر الإيراني نظامي (القرن الثاني عشر ميلادي). وقد ألهمت الحكاية الكثير من الكتاب والفنانين الغربيين في مجالات الشعر والموسيقى والأوبرا، والفنون التشكيلية. وفي مساء روتردام المخصص لقيس وليلى استمتع الجمهور بمقطع قصير من أوبرا "المجنون في الصحراء" للموسيقار الهولندي روكوس ده خروت. وكان المقطع عبارة عن مزيج ساحر من الموسيقى الشرقية والغربية، مع غناء لبعض قصائد قيس، بصوت الفنان السوري باسم الخوري، مع رقصة "البريك" الغربية الحديثة، أداها العراقي المقيم في بلجيكا، حيدر التميمي. وبالرغم من التنوع الذي شهدته الأمسية المخصصة لقيس وليلى، فإنه تنوع يمكن وصفه بالارتباك، فالمشاركات لم تكن على مستوى واحد، ولم تكن جميعها قريبة بالفعل من أجواء قصة الحب العربية-الشرقية. فقد عرضت لقطات مختارة بشكل عشوائي إلى حد ما من فيلم "حبيبي راسك خربان"، إلى جانب مشاهد "فولكلورية" من الفيلم الهندي، فيما لم تتم الإشارة إلى الأفلام الأكثر قرباً من القصة، مثل فيلم "ليلى يا عقلي" للمخرج التونسي الطيب الوحيشي، أو فيلم "شيرين" للمخرج الإيراني عباس كيارستمي، وغيرهما. كما أن بعض الشعراء صعدوا المنصة، دون أن يعرفوا أن المتوقع منهم أن يتحدثوا عن علاقتهم بقصة ليلى والمجنون، مما جعل كلامهم ارتجالياً.
كارين لا تحب اليائسين وكانت القاعة شبه ممتلئة بالحاضرين، ومعظمهم من الهولنديين، ومن ضيوف المهرجان الأجانب. وقد عاشوا ساعات من الرومانسية والإثارة برفقة الشعر والموسيقى وظلال العاشقين.. ولكن يا ترى، أي صورة ارتسمت في أذهان النساء الهولنديات عن العاشق العربي.. المجنون. يبدو أن رأي إحدى الحاضرات، الشابة الهولندية كارين، يعبر عن تصور كثير من النساء الهولنديات، وربما عن الثقافة الهولندية الحديثة، التي لا ترى في الضعف الإنساني صورة مثالية للحب: "أرى أن المجنون رجل رومانسي يائس ومفجوع.. ولكن النتيجة كانت شعراً جميلاً". ولكي تخفف من أثر اليأس والفجيعة تقول الشابة كارين، التي تدرس اللغات الشرقية في جامعة لايدن، إن "علينا أن نركز على النتيجة الإيجابية، أي القصائد الجميلة التي أبدعها المجنون".