لماذا وحّد اليمنيون اليوم مطالبهم ببناء الدولة المدنية الحديثة؟ ولماذا كان الناس لا يفكرون فيها كما هو الحال اليوم ؟ هل لأنها كانت موجودة في الماضي ؟ أم أن اليمنيين كانوا قد مسّهم السحر، سحر النظام السابق فعاشوا في غفلة من أمرهم؟ أم أن الثورة والدماء الزكية التي أسيلت فيها هي التي نبهت اليمنيين إلى ضرورة بناء الدولة المدنية الحديثة تكريماً ووفاءً لشهداء الثورة؟ أعتقد أن اليمنيين في السنوات الماضية وفي ظل النظام السابق عاشوا في غفلة من أمرهم فلم يفكروا تفكيراً جدياً كما هو اليوم ببناء دولة النظام والقانون بسبب انشغالهم بأنفسهم ، فالأحزاب كانت تفكر بنفسها ومصلحتها فقط، حتى المواطنين كانوا يفكرون بأمور حياتهم اليومية التي شغلهم النظام السابق بها بحثاً عن وظائف للعاطلين وسعياً في الحصول على متطلبات حياتهم اليومية، وذلك بسبب اليأس الذي وصل إليه اليمنيون من عدم استطاعتهم تغيير النظام السابق بالطرق السلمية بعد انتخابات متكررة تأتي بنفس الأشخاص. واستطاع النظام السابق توظيف تلك الغفلة من الشعب اليمني لصالحه ، فتلاعب بمشاعر اليمنيين وظروفهم ردحاً من الزمن وظل المواطن المسكين يتجرح الجراح واحداً تلو الآخر فزاد ولم يجد من يعزيه في مصائبه المتتالية ، في ظل انشغال أحزاب المعارضة بنفسها وتهافتها على مايرمى لها من مصالح من النظام السابق الذي أتقن فنون تقسيم المعارضة واحداً تلو الآخر إلى أجزاء وشظايا، وزرع فيما بينهم الحقد والكراهية والبغضاء . كان النظام السابق هو المستعبد الأكبر لها وكانت المعارضة مع الشعب اليمني أكبر الخاسرين، حتى فقد المواطن ثقته بنفسه أولاً وبأحزاب المعارضة ثانياً ، واستطاع النظام السابق أن يرسل (جنّه) في كل مكان فمس الجميع بسحر عظيم، حتى جاءت الثورة ثورة 11 فبراير الشبابية فقدم الشباب دماءهم الطاهرة وأرواحهم الزكية فطردت تلك الدماء (الجن) وهزمت تلك الأرواح السّحر والسّاحر ، وأعادت الثورة للناس ( مواطنين ومعارضة) عقولهم وبدأوا جميعاً يفكرون بمستقبل الوطن ومستقبل أبنائه وبدأ الجميع يراجع حساباته وسلوكه في الماضي فاعترفوا بأنهم كانوا جميعاً يعيشون تحت وهم كبير. اليوم الناس جميعاً في اليمن حكاماً ومحكومين ، أحزاباً جماهيرية ، رجالاً ونساءً ، شباناً وكهولاً ، كلهم يفكرون في شيء واحد فقط هو بناء دولة النظام والقانون ، الدولة المدنية الحديثة ، ثورة الشباب وتضحياتهم أبعدت الأنانية من الناس ، أزاحت التفكير في المصالح الحزبية الضيقة ، أذابت الهراءات والخصومات بين فرق العمل السياسي ، أنهت الحسابات الطائفية والقبلية والشللية إلى الأبد ، لأن الدماء التي أسيلت كانت من كل تلك المكونات حتى شعر الكل أنه دفع ثمن سكوته ، دفع ثمن حساباته الخاطئة بالماضي. فالثورة أعادت ترتيب الأولويات في فكر الأحزاب ، وفي فكر القبيلة وفي فكر المنظمات الجماهيرية ، وفي فكر القادة العسكريين ، وأزاحت النظارات السوداء ، وابتدأ الجميع بالتفكير في مستقبل الوطن اليمني كله ، وفي السفينة التي نركب عليها جميعاً . وبعد تفكير عميق ، وجدنا أنفسنا وقد بدت سوآتنا فانكشف المستور وبدأنا نفكر من أين نبدأ ؟ وأذهلتنا الحقيقة المرة ، أننا لم نجد شيئاُ نبدأ منه ؟ كل الوهم الذي كنا نعيشه عبارة عن ديكورات مزيفة أنهارت أمام أول اختبار ثوري حقيقي. اليوم كل مواطن بدأ يشغل عقله ، وبدأ يفكر في بناء دولة النظام والقانون التي ستحمي حقوق الناس كافة، نسمع الناس في الأماكن العامة وفي المقايل ، وفوق وسائل المواصلات كلهم يتحدثون عن ضرورة بناء دولة النظام والقانون ، لأنها الحل لكل ماتعانيه اليمن من مشكلات سياسية، واقتصادية ، واجتماعية ،.. وحتى نبدأ الخطوة الأولى لبناء الدولة المدنية الحديثة ، يجب أن نستثمر هذا الوعي لدى المواطنين ونبدأ بإعلامه بدوره في ذلك البناء ، فيجب أن يفهم المواطن أنه هو الهدف الرئيسي من بناء الدولة المدنية الحديثة ، وأنه صاحب المصلحة العليا فيها ، وأنه اللاعب الأكبر في نجاحها ، يجب أن يفهم المواطن اليمني أن عليه واجبات وله حقوق ، فبوعي المواطن وتعاونه سنبدأ الخطوة الأولى والأساس الأول في بناء الدولة المدنية الحديثة.