الثلاثاء , 12 سبتمبر 2006 م لا تتشكل الدولة، أي دولة إلا وفق واقع التطور الذي يفرز مؤسسات تشكل هيكل الدولة. ومن هنا فإن الدولة ترتكز على منظومة من القوانين التي تحقق البنية التحتية لهذه الدولة. والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تشكلت الدولة اليمنية حتى الآن؟. وللإجابة على هذا السؤال، يمكن القول إن السلطة في اليمن سعت خلال ثمانية وعشرين عاماً لتأسيس هذه الدولة، ووضعت لها خططاً خمسية لتحقيق التنمية والاستقرار، هذه الخطط الخمسية كان لديها تصور للتعليم وللاقتصاد وللثقافة وغير ذلك، والذي كان يفرغ هذه الخطط المستقبلية من محتواها تلك القوى المتطلعة إلى السلطة بوصفها غاية وليست وسيلة، هذه القوى لم تقدم برنامج عمل يحدد رؤيتها لإدارة السلطة كونها وسيلة لتحقيق مثل هذا البرنامج وليست غاية، لكننا نلمس في خطاب هذه القوى ما يشير إلى رؤيتها المستقبلية لعلاقاتها بالدولة، فهي تتحدث عن اقتصاد إسلامي، بمعنى أنها تحدد ما هو الحلال والحرام في الاقتصاد، وتبقى السياحة حراماً شرعاً لأنها من وجهة نظر هذا الحزب أنها مفسدة للأخلاق؛ أي ان هذا الحزب يسعى إلى تحقيق مشروعه الخاص المتمثل بالسعي نحو السلطة، لأنه لو امتلك السلطة من وجهة نظره يستطيع أن يوظفها لإعادة بناء الدولة وفق تصوره الأيديولوجي الخاص لطبيعة هذه الدولة ووظائفها، ومن هنا لا تكون هذه الدولة لكل المواطنين، وإنما مظلة للمؤمنين. وبقراءة بسيطة لبنية الدولة خلال الفترة الماضية، يمكن التأكيد على أن النظام الحالي كان يتوخى تحقيق دولة لكل اليمنيين على مختلف مشاربهم واتجاهاتهم بوصفهم مواطنين، وقد راكم هذا النظام بصبر وتعقل شروط إنجاز بناء هذه الدولة، ولا شك أن ما تم إنجازه حتى الآن قد أفرز من السلبيات ما يجب معالجتها ومن الإيجابيات ما يجب الحفاظ عليها وتعميمها.. وللأسف أن القوى السياسية الأخرى لم تكن شريكة فاعلة في استكمال بناء هذه الدولة، لأنها لم تستوعب فكرة بناء الدولة ولم تتفهمها، وأصبحت معيقة لذلك. وكما قلت إن النظام في اليمن لعب دوراً كبيراً في إيجاد دولة انتقالية، بمعنى أننا لم نصل بعد إلى الدولة الحديثة، ولم نتوقف عند الدولة التقليدية، لقد استطاع النظام أن يشجع القبيلة على الانخراط في الحياة السياسية والمدنية، وهذه العملية قابلة للدراسة والقياس. ومن هنا علينا أن ندرك أن التفكير السياسي الجديد الذي ننشده اليوم هو التفكير الذي يجب أن يدرك ويعترف أن تحقيق التطور لا يتم إلا عبر نشاط المجتمع كأفراد وجماعات في إطار هذه الدولة. هذا يعني أن الهدف العام ينبغي أن يتجه إلى تعزيز سلطة النظام والقانون، وسلطة النظام والقانون ترتبط بتكوينات الدولة الحديثة التي ننشدها كحل علمي للتناقضات والصراعات المريرة التي عاشتها الأحزاب السياسية ومن ورائها المجتمع، هذه الصراعات التي ولدت ثارات على المستوى الحزبي والقبلي تستدعي ضرورة الانتقال إلى نظام اجتماعي جديد يقوم على النهوض الاقتصادي والاجتماعي المنظم بالقانون. وعندما نتحدث عن القانون، فإننا نتوقف أمام الاختلالات القائمة في القانون الحالي والذي تشتكي منه أحزاب المعارضة. إن مثل هذه القوانين قد تمت صياغتها من قبل هذه الأحزاب التي كانت مشاركة في السلطة في يوم ما، أي أنها وضعت قوانين تتفق مع مصالحها يوم أن كانت في السلطة، وعندما خرجت منها أصبحت تنظر إلى هذه القوانين على أنها ممثلة للفساد. إذا كانت هذه الأحزاب مدركة لما تريده لأدركت أن الدولة الحديثة بديل ضروري بل حتمي للدولة التقليدية، هذه الدولة لا تقوم على النوايا الحسنة ولا على إحراق المراحل، وإنما على تراكم تاريخي. خلاصة القول: ان الأحزاب السياسية اليمنية لا تمتلك رؤية موحدة ومشتركة للدولة التي تريدها «دولة النظام والقانون» ربما توحدت هذه الرؤية على مستوى الشعار، وما عدا ذلك فهي تختلف فيما بينها على تفاصيل هذه الدولة. إن الدولة الحديثة تعد حاجة عامة عابرة للأحزاب والطبقات والفئات والشرائح الاجتماعية حاجة ملحة لنا جميعاً لا تحتمل الاستبعاد ولا الاستثناء، وليست فضاء خاصاً.. إننا بحاجة إلى خلق شعور الانتماء والحفاظ على المكتسبات وتطويرها وحمايتها بما يضيف إلى عوامل الوحدة الوطنية عوامل جديدة يترابط بها التفكير مع السلوك والواقع.