سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
القيادي في الاشتراكي عبدالرحمن عمر: محاولات إضعاف السلطة الجديدة يمكن أن يعيد إنتاج القوى التقليدية ويبرز قوى سياسية تستند إلى الميليشيات والتمثيل المناطقي
التقينا به عصر الثلاثاء الماضي، بدا لنا لأول وهلة أن حديثنا معه أثناء المقيل سيكون كمعظم أحاديث تناول القات، أحاديث تعرج على كل القضايا، وتثرثر في كل شيء، فيما هي لا تقول شيئاً سوى ما تفرضه عليها نشوة القات. وما إن بدأنا الحديث معه وقد قررنا أن يكون حديثنا حوارا صحفيا، حتى أدهشنا الرجل بقدرته التحليلية العلمية في قراءة المشهد السياسي والإلمام بتفاصيله، وصوغ كل ذلك، أثناء إجابته على أسئلتنا، بلغة مزجت بين العمق النظري للأكاديمي، وحس السياسي الذي يعرف حدود وإمكانات الواقع. عبدالرحمن عمر السقاف، عضو الأمانة العامة للحزب الاشتراكي اليمني، حدثنا في هذا اللقاء، وعلى مدى ساعات، عن الثورة الشبابية الشعبية، وما أنجزته الشرعية الثورية، وعن القضية الجنوبية، وعن تحالفات حزبه في إطار المشترك، خاصة مع الإصلاح، وعن الكثير من القضايا. والسقاف أب ل5 أبناء (ولدين و3 بنات)، وهو من مواليد 1956، درس في الوهط بمحافظة لحج حتى المرحلة الإعدادية، وأكمل الثانوية والبكالوريوس والماجستير والدكتوراه بالانتساب متخصصا في التاريخ اليمني القديم. حاوره:- نائف حسان وعلوي السقاف نبدأ من آخر التطورات الأخيرة، وتحديداً من القرارات التي اتخذها الرئيس عبد ربه منصور هادي، والتي أجرت عمليات نقل وتغييرات داخل الجيش. هل تعتقد أن هذه القرارات ستعمل على إعادة تشكيل الجيش بشكل وطني بعيداً عن تشكيله الجهوي والمناطقي الذي كان في السابق، بما يعمل على قيام دولة مدنية، ويسهم في عملية نقل السلطة إلى الرئيس الجديد؟ لو أردنا البدء بالتطورات الأخيرة، نبدأ من المرحلة الثانية التي أفضت إليها الثورة الشبابية، وهي بعد نتائج الانتخابات الرئاسية التوافقية، كما سُميت. بفعل هذه الانتخابات نتج في الواقع ظاهرة سياسية جديدة: الشرعية السياسية الجديدة المنتخبة صارت بدون قوة، والقوة ظلت بيد الشرعية السياسية القديمة. وهذا خلق فجوة كبيرة، لأنه أكد وجود حالة انفصام بين القوة والسياسة الشرعية. وهذه مشكلة كبيرة. القرارات التي اتُّخذت مؤخراً من قبل الرئيس، تعمل، إلى حد كبير، لسد هذه الفجوة بين الوضع السياسي المنتخب، والقوة، بحيث تؤدي إلى تمكن الشرعية السياسية الجديدة من أدوات القوة. إنما أسلوب التدوير الذي اتُّخذ يُعبر عن خطوة إلى الأمام من زاوية تفتيت التركز المناطقي والعائلي في القوات المسلحة، وسيُفضي، بإجراءات أخرى إضافية، إلى إبعاد هذا الخطر الذي كان وارداً بعد الانتخابات مباشرة في أن تكون القوة والسياسة منفصلتين ضمن دولة واحدة. نقل السلطة يمر، بالأصل، بمراحل. في المرحلة الأولى من نقل السلطة نقل الرئيس السابق صلاحياته إلى نائبه. المرحلة الثانية تمت عبر الانتخابات؛ إذ تم انتخاب رئيس بشرعية شعبية واسعة. الانتخابات أعطت شرعية سياسية جديدة، وألغت شرعية سياسية سابقة، وكانت هذه هي قيمة الانتخابات. المرحلة الثالثة من نقل السلطة تأتي في إنجار مهمة نقل هذه القوة لتكون ضمن نفوذ السلطة الشرعية الجديدة. أما الهيكلة فأنا شخصياً أميل إلى عدم تسييس هيكلة القوات المسلحة، لأن ذلك سيدخلنا، مرة أخرى، في صراعات سياسية سابقة.. [مقاطعاً] ماذا تعني بالتسييس؟ التسييس هو مراعاة توازن القوى القديم أثناء عملية إعادة هيكلة القوات المسلحة. النظرة الأساسية أن يتم، أولاً، تخليص القوات المسلحة من المنظومة العائلية والعشائرية والقبلية، واستبدالها بمنظومة وطنية. كيف؟ يجب أن يكون هناك تصور واضح بذلك لدى حكومة الوفاق، ولدى الرئيس المنتخب، ولدى الأحزاب السياسية، وقوى المجتمع الأخرى. النقطة الثانية هي توفير الإدارة العلمية للقوات المسلحة بدلاً من الإدارة القائمة حالياً، والتي أصبحت مساحة للترضيات، والتسويات، أو الولاءات. يجب أن يكون الجيش جيشاً تقنياً، محترفاً بدرجة رئيسية. وهناك موضوع آخر نتج عن الانتخابات الرئاسية التوافقية الأخيرة، وهو تحديد قواعد جديدة للعبة السياسية من ناحية، وفقر في عدد اللاعبين السياسيين، قياساً على ما أسقطتهم أو أضعفتهم الثورة الشبابية بالشرعية الثورية، التي فرضتها حركتهم في المجال السياسي في اليمن. وفي هذا السياق، فإذا اعتبرنا أن كل الموقعين على المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية المزمنة (لاعبون سياسيون)، فهم أطراف منهكة ومصابة بالعطب في شرعيتهم السياسية، بناءً على الحقائق، التي فرضتها الشرعية الثورية للثورة الشبابية. وعند قراءة أولية في هذا المضمار، ستبرز خطورة كبيرة على الأوضاع في اليمن، وعلى مستقبل مهام ووظائف المرحلة الانتقالية خلال عامي 2012 و2013، فالمتطلبات ترشح لاعبين سياسيين جدداً، وذلك وفقاً لحقائق الأمور على الأرض. وأرى ذلك في أن رئيس الجمهورية الجديد المنتخب من قبل الشعب بأصوات عالية من حيث الكم، يجب أن يمارس دوره لا كصاحب منصب، بل كصاحب موقع، ودور، وبالتالي يجب أن يكون لاعباً سياسياً، والقرارات الأخيرة التي اتخذها بشأن المرحلة الأولى من حيث هيكلة القوات المسلحة، تجعله قريباً جداً من أن يكون صاحب دور ولاعباً سياسياً، ومزيد من القرارات من وزن ونوع القرارات السابقة، ستجعل الأمر محسوماً له كلاعب سياسي يستمد شرعيته من الشعب. والخطورة هنا أنه إذا لم يتصرف كذلك، فسيبقى مجرد عنصر من عناصر الآلية التنفيذية، وفي هذا ما يغري لاعبين سياسيين آخرين أن يتعاملوا مع هذا المنصب كما لو أنه مجرد أداة في أيدي أي منهم. وبالنظر إلى الصلاحيات المسنودة إليه كرئيس منتخب في الآلية التنفيذية المسنودة بالشرعية الدولية، فإن الشرعية الشعبية هي الأعلى، لأنها وردت بحكم موقع الرئيس منها، كمرجعية نهائية فاصلة في الخلافات التي ربما تنشأ بين الفرقاء واللاعبين السياسيين، وهي هنا الشرعية الشعبية، ليست ممثلة بالبرلمان، لكن الذي يمثلها هو الرئيس المنتخب، ولا يجاورها في هذا السياق إلا الشرعية الثورية التي فرضتها الثورة الشبابية الشعبية. فأنت تلاحظ أن ما تضمنته الآلية من مطالب الشباب، والتي وردت في الآلية، تعطى لها الأولوية أو الأفضلية أو المشروعية إن لم تتفق مع النصوص الدستورية للدستور القائم. أما بالنسبة لرئيس مجلس الوزراء فهو مسنود بالشرعية الثورية، فإذا كان سيمثلها بحق سيكون لاعباً سياسياً، وإلا سيجعل من لاعبين سياسيين آخرين يطمعون في موقعه، ويجعلون منه صاحب منصب لا موقع، وسوف يبدو الأمر بعد ذلك ظاهراً أو باطناً كما لو أن منصب رئيس الوزراء مجرد أداة في يد غيره. وهناك أيضاً لابد للشرعية الثورية أن تتحول إلى لاعب سياسي، ويقوم الشباب بدور المعارضة السياسية. ومهما كان الأمر، ووفقاً لقرارات الشرعية الدولية، لا نستطيع أن ننكر أن الخارج أصبح كذلك لاعباً سياسياً داخلياً، وكل خارج سيتصرف بجموح إذا وجد فراغاً، وعليه فإن على أصحاب المناصب أو المواقع العليا أن يتصرفوا كلاعبين سياسيين، لا كمجرد عناصر من عناصر الآلية التنفيذية. النظام السابق رفض تغيير قيادة القوات الجوية، وتغيير قيادة اللواء الثالث حرس جمهوري. برأيك كيف يمكن للرئيس هادي تجاوز مشكلة هذه "التمردات" التي تحول دون خضوع الجيش للسلطة الجديدة؛ طبقاً للمفهوم الذي تحدثت عنه؟ كنت أقصد بالتسييس هذا النوع من الممارسات، ويؤخد بعين الاعتبار هذا النوع من التمردات، ويتم على أساسه نوع من الترضيات.. هذا هو التسييس. هذا يعني أن الصراعات ذات الطابع السياسي ما زالت تتحكم في تركيبة القوات المسلحة. يفترض الابتعاد عن هذا الأمر. وسمعت مؤخراً أنه تم حل هذا النوع من المشاكل، وأن هذه القوات التي تمردت استجابت لتوجيهات رئيس الجمهورية الجديد، وهذا يعني أنها كانت لحظة عابرة ربما تحمل من الانفعالية أكثر مما هي تعبير جدي، أو تعبير عن قوة قادرة على التأثير في القرار السياسي. بعد الانتخابات وقعنا، كما شرحت، في أمر: إن الشرعية السياسية الجديدة بيدها أمر اتخاذ القرارات السياسية، لكنها، بسبب انعدام القوة المادية لديها، لم تستطع أن تنفذ قراراتها، غير أن القوة التي بقيت في أيدي الشرعية السابقة لم تستطع فرض أي قرار سياسي. هذه حقائق الأمور. أظن هذه المقاربات التي تمت في القرارات الأخيرة ستسير في اتجاه إيجابي. ضمن المخاوف من مسألة التسييس في عملية الهيكلة؛ يبدو أن البلد سيظل، لفترة، محكوماً بهذا العنصر؛ عنصر مراعاة التوازنات والترضيات. إلى أي مدى تعتقد أن ذلك سيؤثر في تحقيق الدولة الحديثة التي ينشدها اليمنيون بشكل عام، أو سيؤثر في إعادة إنتاج النظام القديم ذاته؟ أرى مجال التأثير لهذا النوع من التوازنات.. ربما هو يتم الآن بحكم ضرورات معينة تخضع لتوازن قوى قائم على الأرض، لكنه وضع مؤقت، ولا يمتلك عنصر الاستمرارية، وبالتالي أنا متفائل بأن الأمور ستسير نحو الأفضل.. [مقاطعا] ما الذي لا يجعل القوى العسكرية القديمة، التي ما زالت قائمة، لا تمتلك عنصر الاستمرارية؟ هناك لدى طرف منها غطاء سياسي، فالواضح أن أحزاب المشترك، أو تجمع الإصلاح، يوفرون غطاءً سياسياً لأحد طرفي الصراع العسكري، وهو اللواء علي محسن الأحمر.. هذا الأمر يمد هذا الطرف بعامل الاستمرارية.. لهذا أنا أؤكد على أهمية عدم تسييس هيكلة القوات المسلحة، لأن هذا التسييس يعطي اعتباراً للغطاءات السياسية القديمة. القرارات التي اتُّخذت، مؤخراً، من قبل الرئيس هادي، هي، كما أرى، جزء من خلفيتها، رفض لهذا النوع من التسييس، لأنه لو كان هناك تسييس من هذا النوع، والحفاظ على التوازن، سيقابله خسارة للطرفين، لهذا كانت هذه التعيينات العسكرية الأخيرة تأخذ طرفاً من هنا، وطرفاً من الجهة الأخرى. وفي المحصلة؛ فالقوة القديمة، المتمثلة في الطرفين، اللذين كانا يمثلان الشرعية السياسية القديمة، هي التي تخسر، وليس الآخر. لكن هذا سيُبطئ من عملية بناء الدولة اليمنية الجديدة، لكن لن يقضي عليها. كل أولوية مناقضة لأجندة المرحلة الانتقالية ستسقط من الملاحظ أن أحزاب المشترك ليس لها موقف واضح وحاسم في مسألة إعادة هيكلة الجيش: هي لا تؤكد على ضرورة أن يُشارك مدنيون في مسألة إعادة الهيكلة، كما لا تؤكد على ضرورة أن تولى سلطته، مستقبلاً، إلى جانب مدني، كما أنها لم تتخذ موقفاً واضحاً في مسألة إعادة هيكلة الجيش بمعناه المباشر، إذ كان عليها، كما نتصور، أن تدعو إلى إقالة طرفي الصراع العسكري، وفي ذلك دعم للرئيس هادي.. وهذا سيجنب البلاد دورة جديدة من الصراع والمماحكات.. شخصياً، أعتقد أن هذا الأمر يخضع للقضايا التي تتعلق بالمهارات السياسية والتكتيكية لقيادات أحزاب المشترك، لأني أرى أن جملة القضايا المطروحة الآن هي خارج خبرتهم التقليدية.. [مقاطعا] كيف..؟ هناك حزبان كبيران داخل اللقاء المشترك (الإصلاح والاشتراكي). حزب الإصلاح مهاراته كلها تكتيكية، بينما الحزب الاشتراكي كانت لديه مهارات في رسم الاستراتيجيات، من حيث التكتيكات هو أضعف. في اللقاء المشترك لن تجد حالة جمع خلاق بين خبرتي الحزبين، وهذا يلعب، بالفعل، دوراً كبيراً في ضياع مكاسب، تختصر الزمن على البلاد والعباد، زمن المعاناة والمتاعب. هناك نوع من الممانعة، و"تمردات" على قرارات الرئيس في ما يخص الجيش، وتدوير مواقع قياداته. هذا "التمرد" حاصل اليوم في مستويات ثانية داخل الجيش؛ هل تتوقع أنه عندما تمس هذه القرارات، مستقبلاً، مستويات أعلى، ستمر بسهولة، خاصة وأنه حدثت اليوم "تمردات" في مستويات أدنى؟ القيادات الأولى في ضفتي الصراع العسكري ما زالت باقية، ويتوقع كثيرون أن تصدر قرارات لاحقة من الرئيس هادي لإقالتها.. إذا كان من هم أدنى من هذه القيادات "تمردوا"، فهل تتوقع ألا "يتمرد" هؤلاء على القرارات المستقبلية التي ستشملهم؟ أتفق معك في توصيف هذا الأمر بالممانعة، وليس بالتمرد، ويبدو لي أن هذه الممانعة مرتبطة بتحسين شروط الخروج لا أقل ولا أكثر، وهي تفاصيلها كثيرة. إجابتك على المهارات السياسية والتكتيكية عميقة، لكن ألا تعتقد أن غياب موقف واضح للمشترك بشأن المطالبة بإقالة طرفي الصراع العسكري، عائد إلى اختلاف الأولويات داخل أحزاب المشترك. هم لا يتبنون إقالة طرفي الصراع العسكري، لأن هناك أطرافاً لا تتمثل أولوياتها في إقالة طرف بعينه حتى لو أدى ذلك إلى إقالة الطرف الآخر وتجنيب البلاد مشاكل كبيرة. الآن كل أولوية مناقضة لأجندة المرحلة الانتقالية ستسقط، ولن تصمد، لأن أجندة المرحلة الانتقالية هي التي ستهيئ اليمن للانطلاقة، بعد عامين، إلى تنفيذ مطالب الثورة الشبابية السلمية، وبالذات وضع الأسس الحقيقية للدولة المدنية الحديثة. في هذا السياق ستكون الأولويات مختلفة نسبياً، وستأخذ بعداً صراعياً بارداً، وليس عنيفاً، بين حتى هذه الأحزاب نفسها. لأنه من أجندات المرحلة الانتقالية أجندات مدعومة بالمجتمع الدولي والشرعية الدولية، فبعد هيكلة الجيش تأتي مسألة الحوار الوطني، وبعد الحوار تأتي مسألة وضع الدستور، وعند وضع الدستور ستكون المعركة الحقيقية تجاه الدولة المدنية، لأن وضع نص دستوري يتعلق بذلك، يتطلب، أحياناً، نوعاً من توازن القوة، وهنا فأي خلافات حول طبيعة وجوهر ومضمون الدولة المدنية، سيجد الناس أنفسهم أمام صراع ستكون خلفياته فكرية وأيديولوجية، ومرتبطة بمصالح. بعدها ستكون الانتخابات النيابية، التي ستُحدد الأوزان للقوى السياسية، وبالتالي يجب ألا يغفل الشباب حضورهم السياسي، كونهم يُمثلون الشرعية الثورية، لهذا يجب أن يكون لهم وزن حقيقي في الحوار الوطني، وفي صياغة الدستور، وفي المجلس النيابي القادم. خلال الفترة الماضية كان هناك تجاوزات كبيرة من قبل عناصر تجمع الإصلاح عبر تكرر الاعتداءات على الناشطات والناشطين في الساحات، وهناك أيضاً اعتداءات أخرى كان آخرها على الزميل محمد المقالح، من قبل جنود الفرقة الأولى مدرع. للأسف تكررت هذه الاعتداءات، إلا أن المشترك لم يتخذ موقفاً واضحاً من هذه الممارسات. كيف يُمكن الحد من هذه الممارسات، وهي تُمثل، لدى كثيرين، تهديداً حقيقياً لاستمرار تكتل اللقاء المشترك؟ في الحقيقة، لم أقف على تفاصيل هذه القضايا، لكني كنت أسمع، من متابعتي للساحات، هذا النوع من الصراع، وفي كثير من الحالات هناك نزوع نحو الهيمنة من قبل حزب يرى نفسه الأكثر عدداً، والأكبر. ويبدو لي أن هذا النزوع نحو الهيمنة مبني على فهم معين للدور السياسي؛ من يعطي بالأكثر من حقه أن يُهيمن! كانت هذه تفاصيل هنا وهناك، لكن لأنها زادت وتجمعت أصبحت قضية حقيقية. أنا أقترح على أحزاب اللقاء المشترك أن يضعوها على الطاولة في ما بينهم، ويناقشوا هذا الموضوع بجدية، لأنه من الأشياء التي ستُقرر طبيعة العلاقة غداً. ندرك جميعاً نزوع الإصلاح نحو الهيمنة؛ ألا تخشى أن يتطور هذا الأمر إلى السيطرة على النظام الجديد؛ كما حدث في كل من مصر وتونس؟ أولاً أريد أن أوضح مسألة مهمة في هذه القضية؛ الإصلاح حزب سياسي يمثل قوى استراتيجية لها وزنها من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، ولا يمكن، على الإطلاق، تجاوز هذا الحزب في أي عمل تحالفي. في السياسة توجد مصالح، لكن ما جرى اليوم في اليمن ينقل الأمور من تحديد مواقع الناس على أساس توازن القوة، إلى تحديد مواقع الناس على أساس توازن المصالح. هذا الأمر هو ما نريد ترتيبه معاً، وهذا الترتيب، أي توازن المصالح، يجب أن يمأسس، أي يجب أن يكون دستورياً. وتوازن المصالح هنا ليس بين النخب السياسية، بل بين الفئات الاجتماعية المختلفة؛ مثلاً أنا لاحظت، وكنت أطرح هذا الكلام عندما تم تشكيل لجنة الحوار الوطني، أنهم قاموا بتمثيل كل الفئات الاجتماعية، والفئوية، في هذه اللجنة، لكنهم لم يمثلوا ولم يذكروا، على الإطلاق، وهذه مأساة انتقدت فيها الحزب الاشتراكي، الفلاحين والعمال، وهم فئة واسعة! أليس لهؤلاء مصلحة في هذا الوطن؟ وما هي حدود مصالحهم؟! أن تتجاهل هذه الفئة بالكامل، هذا أمر خطير. وهذا تم، مع الأسف، حتى في تفكير اليسار القائم اليوم، الذي تناسى هذا الأمر. عندما نقول نريد أن نمأسس هذا، فهذا يعني أننا نريده أن يكون مدخلاً للعدالة الاجتماعية. أنا شخصياً أرى أن المدخل إلى العدالة الاجتماعية ليس عن طريق أفكار، أو أيديولوجيات، بل أرى أن هذا المدخل هو عن طريق الاقتصاد السياسي، فلكي يكون حضوراً له صلة بالعدالة الاجتماعية للفلاحين، يجب أن يكون لديهم تعاونياتهم الفلاحية التي تجسد مصالحهم الاقتصادية المادية، وكذلك الحال بالنسبة للعمال؛ بالنسبة للعمال عندما نريد أن نمأسس اليوم، نقول بلاش قوانين من منظور اشتراكي، أو طبقي، هناك قوانين للعمل من العالم الرأسمالي نفسه، وهي تدخل ضمن القوانين الأولية للعمل، يجب أن تنضبط لها الشركات، وأن تنضبط لها النقابات، وبالتالي نحن نريد أن نشرع لهذه القوانين في إطار المأسسة لتوازن المصالح وفقاً للقانون الذي يحدد الحق المادي للناس. مسألة الهيمنة ألاحظ أن هناك مستويين من الخلاف يحل بين أعضاء الحزب وأعضاء الإصلاح في الأعمال المشتركة؛ على المستوى القيادي لا يحصل هذا النوع من الخلاف، الذي يحصل على المستوى المحلي، ويزيد على المستوى الأدنى. هناك إدراك سياسي أكبر بكثير على المستوى الأعلى لحزب الإصلاح، ويتضاءل هذا الإدراك كلما نزلنا إلى المستويات المحلية، وربما أن البعد الأيديولوجي في هذه المستويات مكرس أكثر. وأنا أرى أن كل حزبين إذا وحدت مشكلات في ما بين أعضائهما، عليهم الجلوس معاً لحل هذه المشكلات، لأن أشكال هذه الهيمنة نلاحظها نحن في التفاصيل، في القضايا التفصيلية الصغيرة، وليس في القضايا الرئيسية الكبرى. ولهذا أقول إن تجربة التحالف السياسي في اليمن هي تجربة مهمة كثيراً دراستها، ونحن نلاحظ أن أحزاب اللقاء المشترك من خلال عملها المشترك، تطورت وتقدمت في مجال السياسة، ولو كانت أعمالها غير مشتركة ولا تحالفية، لكان الأمر اليوم مختلفاً عما هو عليه. لاحظ عندنا أن هذه الأحزاب في المشترك بدأت في الأول بالمعارضة اللفظية، بعد ذلك خلال 2005 عندما وقعوا على برنامج عمل مشترك، بدأت تدخل في مرحلة نسميها الممانعة، أي الرفض للاندراج في السياسات المرسومة من قبل النظام، لكن الممانعة ظلت لفظية من ناحية، وعدم المشاركة، دون الانتقال إلى عمل سياسي كبير ومباشر، في ما بعد تطور الموضوع إلى عمل معارضة جماهيرية من جماهير الأحزاب، وهناك الكثير من الوقائع السياسية التي تعكس هذا الأمر في أكثر من محافظة. وقبل انفجار الثورة الشبابية الشعبية، كان لهذه المعارضة جماهير تخرج في أكثر من مرة، لتعبر عن معارضتها للنظام. حكومة الوفاق ما زالت تمثل شرعية سابقة ذكرت، في حديثك عن الفترة الانتقالية المتمثلة بالسنتين، دور الشباب، ودور القوى السياسية الأخرى. برأيك ما هو الشيء الملح الذي سيُحدد ملامح الدولة القادمة، خلال هذه الفترة الانتقالية؟ ما الذي يجب أن يعمله الشباب، والقوى السياسية، كي لا يتم إعادة إنتاج النظام القديم؟ شروط إعادة إنتاج النظام القديم، الكثير منها انهار، وبالتالي فعودة النظام القديم كما كان مسألة مستحيلة، غير واردة، حتى وإن استخدم أي أشكال مختلفة.. [مقاطعاً] ما هي هذه الشروط التي كانت قائمة، وانهارت؟ مثلاً؛ القوى الفاعلة على الساحة السياسية أن تكون هي نخب القوى التقليدية، لكن النخب السياسية تتبدل، ووزنها يزداد، وأضيف اليوم إلى مجال السياسة عدد واسع من الناس، وعدد واسع من القيادات، وإزاحة هؤلاء من أجل رغبة لن تكون. فقط يجب أن تدرك هذه القوى ذاتها. لأنه إن لم تدرك ذاتها، فهي التي ستُضيع ذاتها، وليست الظروف. الثورة الشبابية جاءت بإضافة جديدة في المجال السياسي. كانت لديك في السابق فقط الشرعية الدستورية، الآن جاءت شرعية جديدة، وهي الشرعية الثورية، وهي اليوم لها قسط في التحولات التي تجري في البلاد. المبادرة الخليجية هي عناوين رئيسية، وما ينقصها تمت تكملته بقرار 2014 لمجلس الأمن، وفيه أضيفت أشياء كثيرة لم تذكر في المبادرة الخليجية، وهي استجابة لطموح الشباب، أي استجابة للشرعية الثورية. ونلاحظ هذا الموضوع في نقطة معينة تشير إلى أنه إذا تمت مقاربة القضايا على نصوص الدستور القائم حالياً، لكن في حال وجد استعصاء، من الناحية الدستورية، لتنفيذ أشياء ذُكرت في المبادرة وذُكرت في الآلية التنفيذية وقرار مجلس الأمن، تُعطى الأحقية في ذلك ليس للدستور، ولكن للمبادرة. تم هذا استجابة للشرعية الثورية، وهذا يعني أن الشرعية الثورية فعلت شيئاً. رئيس الجمهورية انتُخب بناءً على شرعية شعبية. حكومة الوفاق الوطني جاءت على خلفية الشرعية الثورية، وهي ما زالت تُمثل أحزاباً لشرعية سابقة. الذي أعطاها هذا الموقع، وهذه المكانة، هي الشرعية الثورية، التي تضمن قرار مجلس الأمن الكثير من مطالبها. لهذا يُفترض بحكومة الوفاق الوطني أن تعود، بين وقت وآخر، خلال تنفيذها لجملة القضايا والمسؤوليات، إلى هؤلاء الشباب، باعتبار أن خلفياتها خلفية ثورية، وليست أية خلفية أخرى، مع خلفية البنود والمواد العاملة من الدستور القائم. يشعر كثير من الشباب بأنهم لم ينتصروا. كثير منهم يشعرون بحالة من الإحباط، يعتقدون بأنهم لم يحققوا كثيراً مما كانوا يريدون. نعرف بعضهم في الساحات، وهم يظنون أنهم لم يحققوا شيئاً.. بالعكس الشرعية الثورية موجودة، وحققت الكثير. كيف؟ كان المجتمع الدولي متردداً في التدخل المباشر في شؤون اليمن، لكن الذي دفعه للتدخل هي 4 أشياء: النقطة الأولى: الإصرار الذي وجدوه لدى الشباب للمطالبة بالشعارات التي رفعوها، وقدموا من أجلها تضحيات كبيرة، دفعوا خلالها بعدد واسع جداً من الشهداء، إضافة إلى كثير من الجرحى والمعتقلين، ومع تزايد، أو ازدياد القمع، كان الإصرار يتزايد، وهذا جعل العالم يتجاوز النظرة إلى السياسة [باعتبارها] مجردة من الأخلاق، إلى استيعاب هذه الحقيقة في ما يتعلق بالقضايا اليمنية، لأن صور التضحيات التي كانت تُقدم كانت تعطي صوراً من النبل، كما تعطي صوراً من القبح للطرف الآخر. النقطة الثانية، التي شجعت المجتمع الدولي للتدخل، تتمثل في الدعم الشعبي الذي وجده الشباب في كافة مدن الجمهورية وساحات التغيير. تدفق المساعدات المادية والمالية والغذائية بيّن للعالم أن الشعب يدعم هذه الحركة الشبابية ومطالبها. عندما أتحدث عن الحركة الشبابية لا أفصلها عن جذورها الأولى في سياق مسار تراكمي يتعلق بتضحيات الحراك السلمي الجنوبي، الذي تحول من قضية مطالب حقوقية إلى قضية سياسية عندما بدأ يُسير مواكب لدفن الشهداء، الذين كانوا يُقتلون من قبل قوات النظام، وعندما كان يقيم، باستمرار، مسيرات يوم الأسير الجنوبي. النقطة الثالثة، التي جعلت المجتمع الدولي يخرج من تردده، هي إصرار الشباب على النضال السلمي، رغم أن كل ما كان يتم يستفز الناس إلى العنف، إلا أنه كان هناك إصرار شديد إلى العمل السلمي، ويمكن أن أقول إنه كان إصراراً نبيلاً له قيمة إنسانية. النقطة الرابعة، وهي مهمة ويغفلها كثيرون، وهي تتمثل في تماسك المعارضة. تماسك المعارضة لعب دوراً مشجعاً للتدحل الدولي. من تدخل في اليمن هي الشرعية الدولية، لأن القرارات التي اتُّخذت بشأن اليمن خلت من صراع ذي أبعاد دولية ومصالح دول كبرى، فمجلس الأمن تدخل بشكل واحد متماسك، مع الدول الإقليمية، وهذا التدخل هو الذي غطى الفجوة في توازن القوى. لكن كل هذه القضايا أثمرت الشرعية الثورية. شرعية تأتي بمطالب ليست موجودة في الدستور، ولكنها مستمدة من حاجة الناس، ومن تطلعات الشباب. هذه هي الشرعية الثورية، وهي كانت من إنجاز الشباب. كما أن الشرعية الثورية التي نتجت عن الثورة الشبابية الشعبية، أزاحت شرعيات سياسية قديمة، مثل الشرعية السياسية للرئاسة السابقة، وقد تم ذلك بخطوات تدريجية كانت تستجيب لتعقيدات الوضع اليمني.. والشرعية السياسية لمجلس النواب، ولذلك نلاحظ دوره اليوم لا يتعدى كونه مجرد عنصر من عناصر الآلية التنفيذية المزمنة الصادرة عن مجلس الأمن الدولي تحت القرار 2014، وما أصاب مجلس النواب من حيث فقدانه شرعيته السياسية، تتوزع هذه الحقيقة على جملة الأحزاب التي تنضوي فيه، وتصاب بأضرار هذا الفقدان بقدر ما لديها من مقاعد في المجلس. القوى التقليدية والبؤرة الرئيسية التي تأكل القوات المسلحة هؤلاء الشباب، الذين وصفت نضالهم السلمي بالنبيل، كانوا يخوضون، في الشهور الأولى للثورة، صراعاً من أجل التغيير، لكن لماذا يبدو المشهد اليوم وكأنه صراع من أجل السلطة؟ كما أشرت في الإجابة على سؤال سابق؛ أسفرت نتائج الانتخابات الرئاسية عن الوضع السياسي على هذه الحالة: قوى شرعية سياسية جديدة مسؤولة عن تنفيذ أسس ومتطلبات التغيير المحددة في أجندة المرحلة الانتقالية، لكنها بلا قوة، لأن القوة ما زالت في يد الشرعية السياسية السابقة. هذه القوى لا يزال لصراعها على السلطة ذيول مستمرة، وكما تلاحظون زاد التردي الأمني في مختلف المحافظات، ازداد نشاط ما يُسمى ب"أنصار الشريعة" ليدخل محافظات أخرى، كما جرى مثلاً في البيضاء، وقتل المدرس الأمريكي في تعز، ومحاولات عديدة داخل عدن، ومحاولات الدخول إلى لحج، وضربات عديدة في حضرموت، وبعض القتال الذي يدور في مناطق محيطة بالعاصمة.. يقال إن هذا من نتائج قوى الصراع على السلطة. هؤلاء يريدون، لا أستطيع أن أقول كلهم، نقل هذه الأحداث كي يكون لها صدى سياسي، وتحتل هي الأولوية. عندما جاءت الثورة الشبابية كان أول إنجازاتها أنها جعلت الصراع على السلطة في الهامش، وجعلت الصراع من أجل التغيير في المتن. وهذه المحاولات كلها من أجل نقل ما في الهامش إلى المتن، ونقل ما في المتن إلى الهامش. هذه إحدى المشكلات التي تفشل الآن. كان ممكناً أن يكون هذا الموضوع خطيراً إذا وجد صدى سياسياً، إذا تحول إلى أحداث سياسية، لكن كل هذه الأفعال لم تخرج أبعد من أنها جرائم جنائية لا أقل ولا أكثر. لم تأخذ صورة سياسية بحيث تُشكل بديلاً لهذا أو ذاك. والقرارات الأخيرة لإعادة تنظيم القوات المسلحة تخصم، بالنتيجة، من رصيد كان متوفراً لتلك القوى التي خرجت عن المشهد السياسي. الآن تبدو الشرعية الدستورية الجديدة في وضع ضعيف يُقابله توسع للانفلات الأمني، ولسيطرة "القاعدة"، وقد يتطور الأمر إلى اضطرابات.. ما هي مخاطر هذا الأمر؟ من أخطر مخرجات هذا النوع من الأمور هو إضعاف القوات المسلحة. ألاحظ، عندما أتابع الأخبار، أن نتائج المعارك مع تنظيم القاعدة، سلبية على القوات المسلحة؛ هي التي تفقد الأسلحة، وهي التي تفقد قتلى أكثر، وتستخدم معهم أحيانا أشكالاً مما تدخل في النفوس الرعب حتى يكون له صدى مختلف في أماكن أخرى. والملفت للانتباه أنه دائماً ما يتم ضرب مخازن الذخيرة التابعة للجيش. وهذه كلها تدخل في خانة محاولة إضعاف القوات المسلحة، وفقدانها جاهزينها، وقصران بنيتها، وهذا أمر يُشكل خطراً كبيراً يمكن أن يهيئ البلاد إلى سيناريو آخر غير هذا السيناريو الذي نراه الآن. ما هو هذا السيناريو؟ عندما أقارن البلدان التي جرى فيها إضعاف القوات المسلحة، مثل لبنان والعراق، نجد أن البديل فيها كان بروزاً للقوى السياسية التي تستند إلى الميليشيات، بروزاً للتمثيل المناطقي للسياسة، الأمر الذي يضعف من الدولة ولا يقويها. في هذه البلدان تغيب الدولة وتحضر هذه التقسيمات، حتى إنك إذا أردت أن تتذكر اسم وزير الخارجية لهذا النوع من البلدان، يمكن ذاكرتك لن تسعفك، لأن النشاط كله، بما في ذلك استقبال الضيوف، يأتي، إذا تجاوز رئيس الدولة أو رئيس البرلمان، إلى رؤساء الطوائف. هذا النوع من السيناريو لا يستبعد [في اليمن]، خاصة إذا استمر العمل بهذا الشكل. أنا أقول إن من الواجب الأساسي لرئيس الجمهورية الجديد الحس في اتجاه هذا الموضوع، وحسم البؤرة الرئيسية التي تأكل القوات المسلحة، وهي نشاط تنظيم القاعدة في البلاد. أفهم من كلامك أن استمرار الوضع على ما هو عليه في إضعاف "مؤسسة الجيش" وإضعاف السلطة الدستورية الجديدة، سيؤدي إلى إعادة إنتاج القوى التقليدية لذاتها.. يُمكن أن يؤدي إلى ذلك بأشكال أسوأ.. [مقاطعاً] كيف؟ القوى التي تنتظم الآن في الإطار السياسي، وتمثل مشاريع سياسية، ستترك هذا الانتظام، في الغد، لتنتقل إلى تمثيل فئوي، وتستند إلى قوى ميليشوية. قد يؤدي هذا إلى هذا النوع من النتائج إن لم يتم حسم هذه القضايا بسرعة. كيف ترى مستقبل القوى التقليدية التي كانت ضمن نظام صالح؛ سواءً كانت هذه القوى قبلية أو عسكرية أو سياسية؟ عندما أتحدث عن القوى التقليدية فلا أقصد، على الإطلاق، البنية الاجتماعية، لأن هذه البنية الاجتماعية حقيقية وأصيلة موجودة في البلد. إنما أركز في الحديث على النخب السياسية لهذه البنى، وليس على البنية الاجتماعية، فهي بنية اجتماعية أصيلة وموجودة بحكم التاريخ والتراث، والصيرورة الحاصلة إلى اليوم. وهي أيضاً قوى قبلية واجتماعية مشاركة، بشكل كبير، في الثورة الشعبية الشبابية. أنا أتحدث عن النخب السياسية لهذه البنى التي تشتغل في السياسية، ولها مصالح قد لا تتفق مع مصالح عامة الناس، وقد لا تتفق حتى مع بناها التقليدية.. أنت تقول إن الحاصل اليوم هو أن هذه القوى التقليدية تضعف، لكن يبدو أن هذه القوى تزيد قوة، وتحاول إعادة إنتاج شكلها. أنا أقصد أنها تضعف، لأنها، نتيجة للثورة الشبابية، ونتيجة للتوجهات التي جرت، خسرت هي مواقعها السياسية النافذة. لم تعد قوية كما كانت. لكن يمكن أن تقوى، هذه القوى التقليدية، بمشروع مستقبلي آخر، وليس بالمشروع التقليدي السابق. الآن المعارضة الرئيسية، وهي اللقاء المشترك، غادرت مواقع المعارضة إلى المساهمة في حكومة الوفاق الوطني، أي ذهبت إلى السلطة، وبقي الفراغ الذي تركته، وعلى الشباب أن يُبلوروا أنفسهم سياسياً بحيث يملأوا هذا الفراغ، ولهم الحق في ملئه باعتبارهم أصحاب الشرعية الثورية. إذا ترك هذا الفراغ، فثمة سعي اليوم لدى كثير من نخب القوى التقليدية إلى ملء هذا الفراغ بأحزاب سياسية تحضر نفسها للعامين القادمين للعودة إلى السياسة بشكل أقوى عن طريق الانتخابات النيابية. اليوم يجب أن يتم السعي إلى تمثيل الشرعية الثورية تمثيلاً سياسياً، ويبدأ هذا التمثيل عبر المعارضة: أن يبدأ الشباب كمعارضة يراقبون حكومة الوفاق الوطني. يبدو لي أن هذا الأمر هو الأهم، إلا أنه غير داخل ضمن المدركات السياسية للشباب، ولقوى المجتمع المدني، ولقوى الحداثة. هذا أمر يجب أن تُثار حوله المناقشات، لأنه من أهم الأعمال المستقبلية والتكتيكية تتمثل في ملء هذا الفراغ. كيف يُمكن ملء هذا الفراغ؟ أن يدرك الشباب أنهم يمثلون الشرعية الثورية، ويتم تغيير وظيفة اللجنة التنظيمية للساحات، بحيث تقوم وظيفتها بنشاط سياسي لمراقبة تنفيذ مهام المرحلة الانتقالية والإسهام فيها. على الشباب أن يعملوا لأنفسهم برنامجاً سياسياً عملياً، وألا يرتهنوا لتدخلات أحزاب اللقاء المشترك في فرض أجندات معينة للدفع، أو للكبح، كما كان يحصل في السابق. مشكلة أحزاب اللقاء المشترك أن خبرتها [قائمة] على أنها تشتغل مع الشرعية السياسية التقليدية، التي تأتي عبر البرلمان، وعندما جاءت الشرعية الثورية لم تتمكن من التلاؤم معها بشكل جيد، وظلت خلال الفترة [الماضية] تُحاول المقاربة بين مصلحة شرعية سياسية منتقصة، وشرعية سياسية جديدة، هي الشرعية الثورية، وهذا جعل كثيرين يرون أن بعض تصرفاتها خاطئة، أو هناك، كما أشرتم، من يرى أن أحزاب المشترك تسكت عن أمور يجب أن يكون لها فيها موقف. المراوحة بين الشرعيتين واحد من تعبيرات أزمة هذه الأحزاب. لكني أقول إنهم [قيادة المشترك] تصرفوا، إلى حد كبير، بمنطق معقول؛ بالنظر لتوازن القوى، السياسية والعسكرية والاجتماعية، على الأرض. يفترض باللجنة التنظيمية للساحات أن تُغير وظيفتها ومضمون عملها لكن المشكلة أن اللجنة التنظيمية لا تمثل الشباب، أو الأحزاب السياسية، بل تبدو كما لو أنها تُمثل، وتُعبر عن القوى التقليدية. حان الوقت الآن للشباب أن يستقلوا عن أحزابهم. في السابق كان لديهم أرضية مشتركة [مع الأحزاب]، وهي المعارضة، لكن اليوم أصبحت أحزاب المعارضة مشاركة في الحكم. يفترض باللجنة التنظيمية أن تُغير اليوم مضمون عملها بحيث يتحول إلى مضمون سياسي بحت، ويعبر عن أن الشباب يحتلون اليوم مساحة في المعارضة، ويُمثلون الشرعية الثورية. لذلك يُمكن إعادة تركيب اللجنة التنظيمية من حيث دوائرها وفقاً لبرنامج عملها الجديد. يفترض أن يعمل الشباب بشكل أكثر استقلالية عن الأحزاب السياسية التي انتقلت إلى السلطة. اللجنة التنظيمية تم تشكيلها وفقاً لمحاصصة حزبية تم إشراك فيها الشباب الأوائل الذين خرجوا في بدايات الثورة، لكن كثيرين خرجوا من اللجنة، ولم يبقَ فيها إلا ممثلو الأحزاب. أنت تتحدث عن اللجنة التنظيمية ودورها المفترض في المرحلة الانتقالية، بينما الساحات هي من فرضت وجود اللجنة التنظيمية.. هل يعني هذا أن الساحة ستظل طوال الفترة الانتقالية؟ بالنسبة للساحات، فأنا قلت سابقاً إنها وسيلة تكتيكية، وبالتالي يجب النظر إليها كوسيلة تكتيكية، وما إذا كان بقاؤها نافعاً لهم، وإلى أي مدى، أو لديهم وسائل تكتيكية أخرى تعوضهم عنها. لكن حان الوقت الآن إلى أن يتحول الشباب ككل، سواءً كانوا الحزبيين أو المستقلين، إلى معارضة تُمثل الشرعية الثورية، ومصالح هذه الشرعية وأهدافها، ويعملوا على مراقبة كيفية تنفيذها، ويعملوا على تأصيلها سياسياً في إطار مشروعهم الكبير الذي هو الدولة المدنية. برأيك، ما هو المأزق الذي تعيشه الثورة الشبابية الشعبية اليوم؟ لا أرى الأمر باعتباره مأزقاً بالنسبة للشباب، لأنه إذا غيروا طريقتهم في العمل، وإذا فهموا ذاتهم بشكل مختلف، فالآفاق أمامهم مفتوحة، وبالتالي لا وجود لمأزق. هناك حالة جمود مرتبطة بحالة من الارتباك للانتقال إلى دور ثانٍ للساحات، وللشباب الثوار، وهذا الدور أنا شرحته في أكثر من نقطة في حديثي السابق. إذا انتقلوا إلى هذا الدور فلا يوجد لديهم أي مأزق. هناك الآن جمود، لكن هذا الجمود إذا استمر سيؤدي إلى تفكك، لأن هناك مخاطر موجودة الآن في الساحات، وهي نشوء فرز يأخذ طابعاً أيديولوجياً، ونخشى أن يرتبط هذا الفرز ذو الطابع الأيديولوجي بتعبيرات مناطقية، وهذا سيشكل خطراً على مستقبل ثورة الشباب، لكن إذا خرج الشباب من حالة الجمود، وانخرطوا في أعمال سياسية أخرى، لن يستطيع الآخرون الذين يريدون أن يزرعوا حالات جديدة داخل الساحات، أو جماهير الثورة، تحقيق أي نجاح. كانت هناك، أثناء الثورة، محاولات لعسكرة الثورة، أو جرها وإخراجها من طابعها السلمي، وخلال ذلك تمت محاولات لجر المناطق ذات الطابع السلمي إلى العنف.. وما زالت هذه المحاولات مستمرة.. المجاميع المسلحة في تعز، أو في غيرها، ما زالت قائمة، وتُسبب مشكلة. إلى أي مدى سيضر هذا مستقبل الدولة القادمة، أو ملامحها؟ هذا الموضوع الآن يبتعد كثيراً عن عسكرة الثورة، لأن الثورة بسلميتها أنجزت هذا الإنجاز الكبير، وهذا الإنجاز لا ينفذ بواسطة [العنف]. الشرعية الدولية، مسنودة بدعم إقليمي، لن تُشجع على إيجاد مغذٍّ خارجي لهذا النوع من القضايا الذي يمكن أن يؤسس لأمراء حروب. ولأنه انتفى عن الثورة عسكرتها؛ بقي هذا الأمر يدخل في إطار القضايا المتعلقة بالصراع على السلطة، الذي يتم دائماً إضعافه باتخاذ المزيد من القرارات، كالقرارات التي اتُّخذت مؤخراً بتدوير المناصب [داخل الجيش]. وهذه القرارات تنزع مصادر قوة [لدى الشرعية الدستورية السابقة، التي أسقطتها الثورة]. كان أهم ما يُميز ثورات الربيع العربي أنها قامت لتأسيس شرعية جديدة قائمة على الشعب خلافاً للشرعية العسكرية، التي قامت، منذ ستينيات القرن الماضي، وظلت تتحكم بالبلدان العربية، لكن في وضع اليمن انجرت الثورة، في فترة معينة، نحو صراع عسكري بين مراكز القوى التقليدية.. إلى أي مدى يُمكن أن يجر هذا الصراع نفسه على مستقبل اليمن؟ بالنسبة للثورات والعسكر؛ فالبلد الوحيد الذي نجا من هذه الإشكالية هو تونس، أما في مصر فما زالوا يشعرون هناك أن العسكر لم يتخلوا عن ممارسة الدور السياسي، بدليل أن واحداً من المرشحين للانتخابات الرئاسية واحد من المؤسسة العسكرية. بالنسبة لليبيا؛ انتهى الموضوع إلى العسكرة بشكل كامل، والآن تلاحظون مسارها بشكل كبير. بالنسبة لسوريا؛ فنتيجة لصراع دولي قائم، وعدم اتفاق شرعية دولية، على عكس القائم في اليمن.. تجد أن البعد العسكري [حاضر]، سواءً كان من قبل السلطة، أو من قبل المعارضة. بالنسبة لليمن؛ فالثورة كانت بعيدة عن العسكرة، صراعات السلطة هي التي أوجدت هذا الجانب العسكري، وهو الآن يخفت، يخفت. ليس له مستقبل للصعود، إلا إذا كانت هناك مفاجآت أخرى، لكن، من خلال المعطيات التي نراها على الواقع، فالجانب العسكري يضعف ولا يقوى. لكن هناك مخاوف حقيقية لدى كثيرين من دور "هيئة أنصار الثورة"، المتمثل بالقوى العسكرية التي أعلنت تأييدها للثورة.. مخاوف من أن تفرض هذه القوى العسكرية نفسها كوصي ليس على الثورة فقط، وإنما على مستقبل اليمن خلال الفترة القادم. إذا تم اجتذاب هؤلاء، الذين يسمونهم "أنصار الثورة"، وتم توظيفهم ضمن القوات المسلحة، وتأهيلهم، وتوزيعهم ضمن الهيكلة التقنية والعلمية، فلن يشكلوا لا نفوذاً لأحد، ولا أي خطر على أحد. من ناحية أخرى؛ فالكثير من هؤلاء يختلفون من حيث وعيهم، من حيث موقفهم، النفسي والاجتماعي، والثقافي، عن هذه القوى التي وجدت فرصة لتجنيدهم. لهذا أقول: يجب عدم مناقشة هيكلة القوات المسلحة على أساس تسييس هذه القضية، لأنه عند تسييس هذه القضية تأخذ بعين الاعتبار وجود كل هذه التفاصيل لكي تكون موجودة. ما تصورك لإقامة الدولة المدنية؟ أولاً أنا أُفضل إبعاد الجدال الأيديولوجي عن تأسيس الدولة المدنية، لأننا لو دخلنا في جدال أيديولوجي لتأسيس الدولة المدنية، سنصل إلى عدم اتفاق، بشكل حقيقي. ما هي وظائف الدولة المدنية؛ السياسية، والحقوقية، وموقع الشعب فيها؟ هذا هو الذي يجب أن نؤكد عليه بدرجة رئيسية. القضية الجنوبية يجري الترتيب اليوم لمؤتمر الحوار الوطني.. هل أنت متفائل بقدرته على إيجاد حلول لقضايا كبيرة؛ كشكل الدولة، كالقضية الجنوبية، حل المشكلة في صعدة..؟ أظن أن على الحوار الوطني أن يبدأ بتصنيف وفرز القضايا لتحديد حجمها الفعلي لمشكلة البلاد حتى يتم ترتيب الأمور على أساس أولويات ليست مصلحية، ولكن أولويات ذات طابع استراتيجي ملح لتوفير حالة من الاستقرار للبلاد، ويُحافظ على وحدتها في إطار عاجل ووطني يُعيد الحقوق إلى أصحابها. وبالتالي أرى أن القضية الجنوبية تختلف عن قضية صعدة، أو عن قضية تهامة، أو عن أية قضية أخرى، لاعتبار. أولاً: القضية الجنوبية تتعلق بالوحدة من استمرارها، أو انفراطها، وبالتالي فمعالجة هذه القضية تأخذ مسألة معالجة قضية الدولة وشكلها في الأساس، أما قضية صعدة، والقضايا الأخرى، فتدخل ضمن القضايا التي يُمكن أن تُحل عبر المسألة الديمقراطية داخلياً، لهذا يجب أن يتم فرز القضايا، بهذا الشكل، كي نعطي الأولوية بشكل حقيقي، مع الأخذ بالاعتبار أن هذا النوع من المشكلات لا يتم حله بالقوة أو بالعنف. بعض التصرفات، وبعض الآراء، تقوم على حالة من حالات الاستقواء، وهذا أمر خاطئ. القضية الجنوبية لا يُمكن أن تُحل إلا في إطار من التفاهم بين القوى السياسية في الشمال والجنوب. هذا القضية ليست طائفية، ليست مذهبية، هي قضية سياسية بدرجة أولى تتعلق باستمرارية الوحدة من عدم استمراريتها، واستمرارية الوحدة ترتبط بالحل العادل لهذه القضية. هناك أطروحات مختلفة ترى أن القضية الجنوبية قضية دولة؛ فالجمهورية اليمنية قائمة من اتحاد بين دولتين هما: الجمهورية العربية اليمنية، وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية. يجب النظر إلى الأمور من هذا المنطلق، ولا أقصد من هذا القضية الاجتماعية والتاريخية التي تقول، مثلاً، بين شمال وبين جنوب. هي بين دولتين وحكومتين، لهذا فالقضية سياسية، بدرجة رئيسية، وحلها يجب أن يتم سياسياً. حرب 94 عطلت هذا الأمر، واحتكرت فوائد حل الصراع الذي كان بين الشريكين باستخدام القوة، وانتهى الأمر إلى أن النخبة السياسية النافذة والحاكمة في البلاد احتكرت كل الفوائد. وبالتالي أرى أن الأولوية للقضية الجنوبية، وتأتي بعدها القضايا التي يُمكن حلها بشكل ديمقراطي، ثم تأتي، بعدها، القضايا التي يُمكن حلها بأسلوب العدالة الانتقالية، لأنها تتجاوز الأنظمة والأحزاب إلى الظلم الذي وقع على الأفراد خلال العقود السابقة. هناك موضوع رئيسي: الدولة المدنية، وهذه يجب بناؤها ليس من خلال التفسيرات الأيديولوجية للدولة المدنية، ولكن من خلال المواصفات والشروط المطلوبة لبناء دولة مدنية؛ من ناحية عملية وسياسية. لا أعرف كيف سيكون بإمكان مؤتمر الحوار الوطني أن يُقدم حلاً للقضية الجنوبية. بمعنى؛ اللقاء المشترك لم يُنجز رؤية واضحة لكيفية حل هذه القضية. الإصلاح ضد الفيدرالية، والأستاذ أنيس حسن يحيى قال، في حوار نشرته "الشارع" الأسبوع الماضي، إن الاشتراكي توصل إلى تبني الفيدرالية من إقليميين، من أجل الحفاظ على الوحدة، على أمل توسيعها، بعد ذلك، إلى فيدرالية من أقاليم عدة. كذلك؛ كيف يُمكن لمؤتمر الحوار الوطني أن يُقدم حلاً للقضية الجنوبية في ظل ممانعة قيادات الحراك الجنوبية في حضور مؤتمر الحوار؟ لا بد من التعرف على أسباب هذه الممانعة. الحراك هو، أيضاً، فصائل عديدة، والمعارضة في الخارج أكثر من فصيل، وما نراه اليوم بشأن القضية الجنوبية، في العمل السياسي، هو صراع من أجل احتكار تمثيلها. كل طرف يدعي أنه هو يُمثلها. في الأخير [يجب] رد القضية إلى الشعب، الذي سيلعب دوراً في تحديد من يُمثله. [مقاطعاً] كيف يُمكن رد القضية إلى الشعب؟ بالنسبة إلى هؤلاء؛ يُمكن إذا جاءت انتخابات أن يُشاركوا فيها، ويرى كم الأصوات التي سيحصلون عليها، أو لا بد من الاتفاق بين هذه الفصائل كلها من خلال إقامة مؤتمر بين الجنوبيين ككل للخروج ب"تمثيل يكون على أساس مشروع سياسي، وليس على أساس التمثيل الجهوري". هذه الممانعة، التي أشرت إليها، تأتي، مثلاً، من قبل قوى سياسية هنا في الشمال كانت مشاركة في حرب 94، تُصعد كثيراً من الموقف مما يخلق أزمة ثقة بين كل الأطراف، وأهم شيء هو توفير الكثير من إجراءات الثقة. الحزب الاشتراكي يعمل الآن على المستوى الداخلي لتقديم تصور للجميع في كيف يُمكن الإعداد لحوار وطني شامل يكون قابلاً للنجاح، وسيُعلن هذا التصور قريباً. *نقلاً عن صحيفة الشارع الاسبوعية