إن تاريخ الأفكار السياسية لم يسجل انحرافاً للفكر السياسي الإنساني، بل قدم أفكاراً سياسية قالها المفكرون والفلاسفة انطلقت إما من واقع الحياة التي كانوا فيها وبالتالي طرحوا تصوراً لكيفية معالجة المشكلات القائمة من أجل الوصول إلى حياة آمنة ومستقرة وموحدة، وإما انطلقوا من خيالاتهم وتصوراتهم للحياة المثالية التي يرمون إليها. إن التفكير في بناء المجتمع وتوحيده لا يأتي إلا ممن كان همهم الحياة الإنسانية دون النظرة الدونية أو الأنانية أو الذاتية أو العنصرية أو الفئوية أو الفردية أو الحزبية، بل كانت نظرة الفلاسفة والمفكرين شاملة، لأن الهدف هو البحث عن الأمثل والأكثر تحقيقاً لرغبات الناس. إن البحث في تاريخ الفكر السياسي اليمني عبر العصور المختلفة يبرز أن اليمنيين باحثون عن الحقيقة التي تتوفر فيها السعادة للإنسانية وتزول فيها البغضاء والكراهية وتسمو فيها قيم المحبة والوفاء والتسامح، ولذلك كانت صفحات التاريخ اليمني في الأعظم والأغلب منها مشرقة ومبشرة بالخير الإنساني، ولم نجد من يحاول زراعة الشر والعدوان إلا في النادر، وهذا النادر لم يكن إلا في فترات الضعف والانقسام، ولم يستمر طويلاً فسرعان ما يعود اليمنيون إلى جذورهم المبشرة بصلاح الإنسانية. إننا اليوم في فترة ضعف وتمزق ونجد فيها معاول الهدم تتغلب على أدوات البناء والإعمار، ولعل المشهد المثير لما يُكتب ويُنشر ويُذاع ويُصور يعطي هذا المؤشر الخطير الذي يهدد حياة الشعب ويكاد يؤرخ لصفحة يكاد يطغى عليها السواد بفعل الانهيار في القيم والمبادئ والأخلاق. إننا اليوم في مرحلة خطرة إن استمر فيها العقلاء والنبلاء في السكوت على البذاءات والتفاهات وسوء الأخلاق فإن الوضع لاشك جد خطير، ولذلك على العقلاء والحكماء في ساحة ا لفعل السياسي الوطني سرعة الإقدام على الحوار من أجل قطع الطريق على المزايدين والمخادعين الذين لا يرون أنفسهم إلا في بيئة الدمار، لأن الحوار هو الوسيلة الإنسانية والحضارية للخلاص من هذا الفجور بإذن الله.