الشعب يُريد بناء يمن جديد! يا ترى ماذا خلف هذا النداء من مطالب ؟ إنها مطالب لا تقل عن أن الشعب يُريد الوصول إلى دولة مؤسسات مستقرة في كل حقول الحياة ، وأن ينتقل فعلاً إلى طور أكثر تميزاً وتقدماً ورخاءً وحضوراً حضارياً وحيوية عن طريق بناء مؤسساته الأمنية والقضائية والمالية والاقتصادية والثقافية والصحية جميع المؤسسات العامة المدنية والعسكرية على أسسٍ صلبة ثابتة وقوية ، ولأجل هذا كان الدفع مسبقاً ، وفقد الوطن خيرة أبنائه الذين قدموا أرواحهم الغالية العزيزة رخيصةً من أجل رفعته وتطوره ووضعه في منزلتهِ الصحيحة ، إنهم الأكرم منا جميعاً شهداؤنا الأبرار رحمهم الله ، ومن هنا فإني أتوجه بنداءٍ خاص إلى رئيس الجمهورية المشير/عبدربه منصور هادي وإلى رئيس مجلس الوزراء أ / محمد سالم باسندوة وأقول: نحن نعلم أن المرحلة دقيقة وليس من السهل إدارتها ولكم الشرف النبيل في ذلك وندعو الله أن يحفظكم ويوفقكم في مهمتكم العظيمة ومسئوليتكم التاريخية ، ومع ذلك فإن على عاتقكم أمانة أبت أن تحملها الجبال في أن توصلوا اليمن إلى المستوى المأمول لأبنائه ، وذلك بأن تُحسنوا اختيار الأفراد وتضعوا الشخص المناسب (كفاءةً وأخلاقاً) في المكان المناسب ، و الإسراع في تحقيق الأمن والاستقرار وتفعيل مبادئ العدالة وسيادة القانون الشفاف الواضح ، الذي يساوي بين الجميع ويضمن حقوقهم ، ولا يحابي أحداً، ويمنع التعديات ، ويحول دون الطغيان والاستئثار فلا مراكز القوى ولا أحد فوق القانون ، وتوفير احتياجات الشعب الأساسية ومنها خلق فرص عمل ، والعمل على بناء المؤسسات العامة للدولة على أسسٍ علميه ومهنيه تكون قوية ومستقرة أمام الأزمات بحيث لا تزول ولا تتوقف بزوال الأفراد ، تتوجه بخدمة الشعب وتستجيب لحاجاته ورغباته وتحقق تطلعاته وآماله وما يصبو إليه وما ضحى من أجله ،وتكون بمثابة العين الحارس والأمين على الشعب ومكتسباته وحريصة على المصالح الكبرى والإستراتيجية للوطن ، والتي تسمح وتطالب الشعب والمجتمع بممارسة دوره في الحياة واختيار حكامه وشكل نظامه السياسي والاقتصادي والاجتماعي وتضمن لهذا الشعب الصابر الحكيم التقدم والاستقرار السياسي والمدني وتداول سلمي ومؤسسي للسلطة والقوة بين مختلف مكوناته. وهنا أضع بين أيديكم حلاً إستراتيجياً للتغلب على مشكلات المؤسسات العامة ابتداءً من اليوم وإعداداً للمستقبل وأرجوكم أن تعطوا هذا الأمر جل اهتمامكم وأوقاتكم فنحن نعول عليكم بعد الله في أن تعملوا على إعادة صياغة رؤية السياسة وإدارة الدولة وفق نسق مدروس وأكثر دقة فأدعوكم أولاً إلى إعادة النظر في كل الأشخاص القائمين على هذه المؤسسات وأدعوكم ثانياً إلى أن تعملوا على تقويم أوضاع وأهداف كل المؤسسات العامة المدنية والعسكرية كلٍ على حدة (إن كانت لها أهداف) وصياغة رؤية ورسالة وأهداف إستراتيجية طويلة المدى ووضع سياسات واضحة ودليل لإجراءات العمل مفصلة ومكتوبة والالتزام بتطبيقها إدارياً ومهنياً عن قدرةٍ ورغبةٍ تامة وربطها بتقييم الأداء ومبدأ الثواب والعقاب ؛ تكون بمثابة الموجة والمرشد العام ومنهج وطريقة عمل تسير على ضوئها كل مؤسسة بإداراتها المتعاقبة وتسعى لتحقيق أهدافها هدفاً هدفاً ، وذلك لكل مؤسسة ووفقاً للمبادئ والقواعد العلمية للعمل المؤسسي المذكور منها ، وكل إدارة تأتي لأي مؤسسة يجب أن تعمل على تحقيق قدر من الأهداف المرسومة، أي أن تنتقل مسؤولية إدارة وتسيير كل مؤسسة من جيل لآخر، بحيث ينطلق الجيل الجديد في إدارة هذه المؤسسات من نقطة النهاية التي وصل إليها الجيل السابق وليس أن يأتي جيل ويستلم مؤسسات خاوية على عروشها . ولذلك يجب ألا يُعمل عمل إلا وفق خطة حتى لا تُترك الأعمال الروتينية والمتفق عليها والمعلومة للاجتهادات والعلاقات الشخصية والعشوائية والتفسيرات المتباينة، وهذا لا يلغي فرصة الاجتهاد والبحث عن الأفضل والإبداع، لكن يلزم أن يتحول ذلك إلى خطة بتضمينه الإجراءات في حال اتُفق على تلك المقترحات الجديدة التطويرية، فكتابة إجراءات العمل يعني التحول بالتفكير والعمل من اللاوعي إلى الوعي بحيث ترى وتناقش وتمحص وتعلم المبررات والمقاصد ،وعملية التوثيق الكتابي تسهم أيضاً في عملية التطوير وتراكم الخبرة والتجربة والتي ستستفيد منها الإدارات والأجيال القادم بحيث لا تتكرر الأخطاء وأوجه القصور من جيل لآخر ومن ثم يتم تجنبها وتلافيها ويبدأون بالعمل من حيث انتهينا نحن ، وهي في الوقت ذاته مرجعية لقياس الأداء وتحديد من يعمل ماذا وبأي مستوى من الإنجاز، وهذه الإجراءات المكتوبة هي أحدى الوسائل المهمة التي تؤدي إلى تحقيق مبدأ الشفافية والمساءلة والقضاء على الفساد وضمان ألا يُتفرد في عملية صنع القرار حتى لا تتاح الفرصة لتحقيق المصالح الشخصية على حساب المصالح العامة. فالتحول نحو العمل المؤسسي وتحقيق التميز في الأداء الإداري يتطلب الانتقال من الفردية إلى فريق العمل ومن العفوية إلى التخطيط والتنظيم ومن الضبابية إلى وضوح الرؤية والهدف ومن انقطاع التجارب إلى تراكمية الخبرة والتجربة ، ومن الانحباس في الماضي إلى استشراف المستقبل، ومن القائد الوحيد إلى الجيل القيادي ، والعمل من أجل النتيجة وليس العمل من أجل العمل )أي البعد عن أداء الأعمال عشوائياً والتوجه الحقيقي نحو العمل وفق خطة واضحة المعالم تجعل الجميع على بينة من الأمر عارفين بمهامهم مدركين أدوارهم(حقوق وواجبات) داخل منظومة للعمل الجماعي . والحقيقة أن هناك قيادات مدنية وعسكرية مُخلصه ولديها نوايا صادقة في خدمة الوطن وتحقيق الأفضل وإضافة قيمة إيجابية فاليمن لديه موارد بشرية هائلة وذات كفاءة وبهِمم وطاقات عالية ورغبة شديدة للعمل والإنجاز والإبداع فيه ، ولديهم القدرة على إدارة الحاضر واستشراف المستقبل وبخطط استراتيجية دقيقة ومدروسة ، ولا عيب في أن نطّلع على خبرات الآخرين وتجاربهم ونأخذ المفيد منها وبما يتفق مع بيئتنا والضوابط والقيم ، فالمورد البشري هو العنصر الوحيد الذي لا يمكن أن نستغني عنه والذي بتوفره يمكن أن نستغني عن الموارد الأخرى ،فعلى سبيل المثال الصين ليس لديها مورد أكبر من المورد البشري فلم تنظر إليه على أنه مشكلة بل استطاعت من خلاله أن توجد الكثير من الموارد وعلى رأسها الصناعة ومن خلال الصناعة فإن اقتصادها اليوم من أكبر اقتصاديات العالم وتنافس أمريكا وأوروبا إن لم تكن قد تجاوزتها ، فالإنسان عُملة نادرة فعلاً تفتقر العديد من الدول إدارته كمورد ، والغريب في الأمر أن الكثير يرى أن زيادة عدد السكان مشكلة أقول لا بالعكس تماماً فمن يتصور أن في الأمر مشكلة فذلك هدر لهذا المورد الثمين الذي يجب أن نعطيه القدر الكافي من الرعاية والاهتمام والإعداد والتجهيز وتسليحه بالعلم والمعرفة وتوظيف طاقاته غير المستغلة . فلماذا استطاعت الشعوب الغربية ، أن تغير وضعها ، وتنتقل إلى مرحلة أخرى ؛ بحيث أضحت اليوم هي رائدة التقدم والتطور في أغلب مجالات الحياة؟! ...أعتقد أن الشعوب الغربية استطاعت عبر أنظمتها السياسية أن تعيد الاعتبار للفرد / المواطن وعملت على إعداده وتجهيزه واستغلاله استغلالاً أمثل ؛ فتراكمت فيه الخبرة والتجربة والعطاء ، فأنتج مؤسسات ذات جذور عميقة في المجتمع ؛ فكانت النتيجة : التقدم العلمي والاقتصادي والتكنولوجي ،والاستقرار السياسي. إضافة لكل ما سبق فإننا نرى أن الطريق إلى بناء اليمن كدولة مؤسسات قوية ومستقرة ، يتطلب أيضا الإيمان بأهمية الإنسان كمورد أول والعمل على إعداده وتجهيزه وإعادة الاعتبار والاهتمام به كفرد وكمجتمع ، وهو أمر يعد من أولى الأولويات لمتطلبات النجاح والتطور والارتقاء والدخول في مضمار المنافسة العالمية ومواجهة تحديات المستقبل؛ لذا وجب علينا أن نتعامل معه بوصفه حجر الأساس وعنصر الحيوية والفاعلية في كل مشروع ، وأنه منصة الانطلاق للتقدم وصناعة الفعل المؤسسي المتميز والمستقر في فضائنا الأمني والسياسي والاقتصادي والاجتماعي والعلمي وفي كل مجالات الحياة ، وإذا أردنا الفلاح الدنيوي والأخروي ، فينبغي علينا كآحاد أيضا أن نقوم بدورنا في هذه الحياة ،ونتحمل مسؤولية وجودنا . ولنا هنا أن نعطي مثالاً للتوجه نحو العمل المؤسسي الذي يبدأ بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب وهو تعيين الأخ الأستاذ/شوقي أحمد هائل ذي العقلية المؤسسية والفكر الإداري والاقتصادي محافظاً لمحافظة تعز الأبية التي تعتز بكل أبناء الوطن المخلصين، وقرار تعيين كهذا هو من يعزز الثقافة والعمل المؤسسي ويُبشر بميلاد اليمن الجديد إن شاء الله .