في أساس التأملات المفترضة، يمكن القول بأننا في هذا الوطن الكبير، قد مررنا بأربعة نماذج لأنظمة الحكم الجمهوري، كانت تتمدد حيناً وتنكمش أحياناً أخرى في تطبيق مضامين وقيم وعناوين النظام الجمهوري الحقيقي بأبعاده الوطنية السياسية والاجتماعية. وفي أساس هذه التأملات - أيضاً - يرسو الحكم القائل بأن النظام الجمهوري في بلادنا قد تراجع كثيراً، وكاد يسقط بين أنياب النظام العائلي الذي بدأ بالفعل يستدعي محركاته ومقوماته الرجعية المتخلفة ويكرسها في حياة الدولة والمجتمع. ومهما يكن من اختلاف في هذه الأنظمة الجمهورية الأربعة في مراحلها الأربع، فإن الحصيلة الأخيرة، لسوء الحظ، تركة ثقيلة من الانهيارات وبذور التشظية، بما أحدثته هذه النماذج من فتوق عميقة في النسيج الوطني السياسي والاجتماعي، وغياب شبه كامل لقيم الديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة وضعف النظام والقانون. وفي مواجهة هذه الأوضاع الرجعية، بكل ما فيها من خيبة وفشل وتراجع مشين للوطن والمواطن، اندلعت ثورة التغيير الشبابية الشعبية السلمية؛ لتعيد الروح للنظام الجمهوري، ولتعيد بناء جمهورية النظام والقانون ودولة المؤسسات المدنية الحديثة، وإشاعة الحرية وضمان حقوق الإنسان وإرساء العدالة والمساواة في رحاب مجتمع تعددي ديمقراطي. هذا باختصار ما سنتناوله في الأعداد القادمة، كما سنتناول مفهوم الجمهورية.. وخصائص وقيم وعناوين النظام الجمهوري.. والفكر الجمهوري الجديد لجمهورية التغيير.