بعد عقود ومراحل من الانهيارات لجميع نواحي الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بصورة دراماتيكية.. وتراجع مخيف للنظام الجمهوري بكل مبادئه وقيمه التي تكرس سيادة الشعب وتعزز من معاني الحرية والكرامة، في مقابل محاولات مفضوحة لعودة النظام العائلي.. بات واضحاً أن النظام الجمهوري ومكتسبات الشعب الثورية والتحررية أصبحت مهددة بالفعل. وفي أساس التأملات المفترضة يرسو الحكم القائل بأن النظام الجمهوري اجتاز - عملياً - خلال الفترة الزمنية منذ 1962م وحتى اليوم أربعة نماذج أو أنماط حكم متعاقبة: النموذج الجمهوري الأول الذي جرت محاولة تطبيق مضامينه جزئياً بزعامة السلال، إبان فترة «الشرعية الثورية»، والنموذج الجمهوري الإرياني– الثاني– الذي تزامن مع حرب الملكيين واتسم بحالة «اللاّحرب واللاّسلم».. والنموذج الجمهوري الثالث بزعامة الحمدي الذي يمكن وصفه بفترة «الشرعية التصحيحية»، وشهد انتعاش القيم الجمهورية وعودة الروح الوحدوية في النظام السياسي والمجتمع، وبداية تشكل دولة مدنية لم يكتب لها أن تكتمل. وأخيراً النموذج الجمهوري الرابع في عهد علي عبدالله صالح والذي انتهى باندلاع الثورة الشبابية الشعبية السلمية التي تفجرت مطلع العام الماضي على الجمهورية وتدشين عهد التغيير سياسياً واقتصادياً واجتماعياً في ظل نظام جمهوري قائم على أساس الدولة المدنية الحديثة.. دولة المؤسسات والنظام والقانون، ومجتمع عصري يسوده العدل والمساواة وضمان حقوق الإنسان، بكل وجوهها. لقد عرف اليوم شعبنا ماذا يريد؟ معرفة المتبصر الواعي، وانتصر لثورته الشبابية الشعبية السلمية.. ثورة التغيير وجمهورية التغيير.. بإصرار المؤمن الملتزم. وأصبح لنا أن نعتز بأننا دخلنا فعلاً عهداً جديداً أردناه جميعاً عهداً للتغيير، لا ينفصل فيه مطلب التنمية عن مطلب الديمقراطية الحقيقية.. وليس أنفع لنا اليوم من العمل والتضحية والإخلاص لقيمنا الجمهورية والثورية والنهوض لإنجاز مشروعنا الوطني الحديث؛ إذ الشعوب قيم ومشاريع ومكاسب. والأكيد أن الإنسان اليمني يعلم علم اليقين أن أهم مسؤولياته اليوم أن يعزز من مكاسب وإنجازات ثورة التغيير، وأن يناضل من أجل تحويلها إلى سلوك عملي يصدر عن وازع ذاتي وإيمان حق يؤكد ضمان حقوق الإنسان، ويجسد سن تشريعات تصون حرية المواطن وتحفظ أمنه، ويبرهن عن إجراءات تفتح للمرأة آفاقاً تعزز مكانتها وترسّخ وعيها بكرامتها، ويهيئ مناخاً مشجعاً لإنشاء الجمعيات المدنية المتنوعة الاهتمامات، ويكرس الوعي التعددي السياسي والحزبي والفكري لمختلف المشارب. كل ذلك يتطلب أن يتحول القرار السياسي الجريء إلى فعل اجتماعي رصين، يدعم أركان المجتمع المدني، ويعزز من الحرية وتحرر الإرادة في إطار دولة اختارت أن تكون دولة القانون والمؤسسات، ونظام اختار أن يكون نظاماً جمهورياً ديمقراطياً..! وليس سهلاً أن تتاح لشعب فرصة تجاوز أسباب وظروف التراجع والتردد والتفكك، التي من شر تبعاتها أن تستولي قوى التخلف والاستبداد والنكوص على مقدراته وتتحكم بقواه الحية والفاعلة ثم يتركها تضيع، بل إن عليه أن يمسك بتلابيبها، وتوظيفها كما ينبغي، مستفيداً من العبر والدروس المريرة..!. واتساقاً مع ذلك نشعر - اليوم - أن التغيير يؤسس لمناخ سياسي واجتماعي جديد وملائم للمبادرة والعطاء الوطني السخي في كنف الوفاق الوطني والتضامن الاجتماعي والثقة بالمستقبل، والاطمئنان إلى سلامة اختيارات ثورة التغيير بمشروعها الحضاري في بعديه الأساسيين؛ الديمقراطي والتنموي. تلك هي بعض ملامح، ومهام وعناوين جمهورية التغيير، وتلك هي بعض – وليس كل – طموحات شعبنا في الحاضر والمستقبل. واليوم وقد انتصرنا للتغيير، فإنه لم يبق لنا وأمامنا إلاَّ النضال والعمل أولاً.. والنضال والعمل ثانياً.. والنضال والعمل ثالثاً.. وعاشراً.. [email protected]