تنشط العديد من الفعاليات السياسية والفكرية لإثارة التساؤلات قُبيل انعقاد الحوار الوطني الموسّع لتنفيذ المرحلة الثانية من المبادرة الخليجية، وثمة لجان منكبّة للتواصل مع الأطراف المعنية للمشاركة في هذا الحوار ومنها الحراك الجنوبي بقياداته المتعدّدة والحوثيون وشباب الساحات بالإضافة إلى بعض الأحزاب غير الممثّلة في قوام حكومة الائتلاف الوطني. وتجرى هذه الحوارات في أجواء مفعمة بالأمل والتفاؤل بأن تكون مطالب الأطراف المعنية تحت سقف الوحدة والتعدّدية، حيث يمثّل هذا السقف خياراً شبه متفق عليه من هذه الأطراف؛ وتشير إلى ذلك الانطباعات الأولية للمتحاورين. وتتزامن هذه الأجواء الانفراجية في مؤشرات تبدو ماثلة للعيان من خلال اقتراب موعد انعقاد مؤتمر “أصدقاء اليمن” في السعودية الأربعاء المقبل, حيث إن خروج هذا المؤتمر بنتائج حيوية سوف ينعكس على تحسين واستقرار الأوضاع “القلقة” في اليمن, يضاف إلى تلك المؤشرات التصريحات الأمريكية والأوروبية إزاء الأزمة اليمنية الراهنة التأكيد على خيار الوحدة مقابل التفاوض حول مختلف التفاصيل. ولقد جاءت تصريحات الرئيس الأمريكي مؤخراً بشأن تجميد أرصدة كل من يعمل على تعطيل تنفيذ المبادرة الخليجية كوجه آخر للاهتمام الدولي وخصوصاً الولاياتالمتحدةالأمريكية بتسوية الأزمة اليمنية على قاعدة أن استكمال حل هذه الأزمة بالوسائل السلمية يعد أنموذجاً غير مسبوق في مشهد الربيع العربي الساخن!. إذا استثنينا الاهتمام الإقليمي الدولي بمسار استكمال التسوية الداخلية في اليمن فإننا لا ننسى آمال كل اليمنيين وهي معلقة تجاه كل بادرة أو تحرُّك يشيع بصيصاً من الانفراج خاصة بعد أن طالت الضائقة الاقتصادية شرائح واسعة من السكان؛ إذ أن التقديرات الأولية تشير إلى أن أكثر من %50 من السكان «تحت خط الفقر». ولا نعتقد أن الساسة اليمنيين بمنأى عن هذه المؤشرات والأوضاع المتردية التي يعيشها الداخل اليمني، وهو أمر يحتّم على كافة الأطراف المعنية في مربع الأزمة للتقاطر إلى طاولة الحوار الموسّع, وطرح كل الملفات للنقاش بروح متحرّرة من نوازع الأحقاد والضغائن والثأرات لتضطلع هذه النخب السياسية بمسؤولياتها الوطنية التاريخية في ظروف بالغة الدقة والحساسية. ولا شك أن الجهود المتواصله لإخراج اليمن من الحالة الراهنة تنطوي على قدر كبير من التفاؤل لكنه – في نفس الوقت - غير بعيد عن “الصواعق” الداخلية المتمثلة في المشدودين إلى الماضي ومراكز الفساد, فضلاً عن القوى المتربصة باليمن, وهي قوى إقليمية واضحة المعالم في تحريك أدوات الصراع في الداخل اليمني ولها بصمات واضحة في التداعيات الأمنية المستمرة التي تمثّلها تحديداً “القاعدة” ومظاهر الانفلات الأمني في بعض المناطق اليمنية. وأمور كثيرة كهذه وغيرها لا تتطلب وعوداًَ بتأمين الظروف المواتية, ولكنها تتطلّب إرادة من كافة قوى التغيير, وتجاوز حالة “الدهشة” إلى حالة جديدة من الحركة. وقديماً قيل: “في الحركة بركة” وذلك ليس بجديد على أولي العزم.