لا يمكن أن تسير حياة الإنسان عكس قوانين الطبيعة؛ فالنبات يكون بذرة ثم يصير زرعاً ثم يهيج فتراه مصفراً ثم يصير حطاماً, وهكذا الإنسان يكون نطفة دافقة تُقذف في رحم المرأة ثم يكون مضغة ثم يصير إنساناً بعد أن تكسى العظام لحماً, فمؤمن أو كافر, حر أم عبد لشهواته وأهوائه وآرائه, حزبياً أم مستقلاً, مفكراً يُعمِل عقله فيما ينفعه أم حيواناً ضمن هذه السوائم. ورحم الله أستاذاً في القرية, عانى كثيراً من القوم, فكان عندما يخطبهم في الجمعة يناديهم بقوله: (أوصيكم عباد الله البهائم بتقوى الله)!!. سطور هي مقدمة لفكرة اليوم بمناسبة ما ندعو إليه جميعاً من (الحوار الوطني) الذي نخشى أن يكون (بيزنطياً) كحوار (جمل المعصرة) لا تدري أول ابتداء حركته تحديداً ولا حيث ينتهي وإنما يظل هذا الحيوان (الجمل) يدور حول نفسه مغمض العين, صبور القلب مجبراً على الحركة, تسوطه عصا صاحب المعصرة متى أراد أن يتوقف لاستراحة أو عجز أو رفض. كيف سيكون الحوار، واليمني - كأخيه العربي - لم يتعلم الحوار في دنياه الصغيرة (الأسرة)؟ فالرأي للأب أو للأم أو للأخ المتسلط المستبد, وإذا بدر اعتراض من الطفل عوقب على هذا (الخروج) عقاباً صارماً ثم (يلفظ) هذا الطفل إلى المدرسة, فيجد مدرساً جاهلاً غالباً ومديراً سارقاً, ومنهجاً متخلفاً وعليه أن يلبي الأوامر وإلا أصبح (راسباً) ثم إذا هو يلحق بالحزب أو التنظيم أو الجماعة وعليه أن يلبي الأوامر ويطيعها وإلا عد (عاقاً) ويصبح (مجمداً). وإذا كانت التربية العسكرية تقوم على مبدأ (نفذ ثم ناقش) فإن من مبادئ الحزبية أيضاً هذا المبدأ العقيم, كأن العقل لا داعي له, وإنما يصبح الإنسان مجرد آلة, تنفذ الأوامر ولا تناقش. إن البنت لا يحق لها أن تعترض إذا ما أراد ولي أمرها زوجاً لا تحبه, والابن لابد أن يكون طوع أبيه والوزير لابد أن يكون طوع الحكومة. ويحاكم رئيس”زمبابوي” لأنه كان طوع الجميلة (كامبل) عارضة الأزياء. لا يكون هناك حوار ناجح إلا بعد أن يكون للمتحاورين حرية في الحوار.