الكتابة في مثل هذا العنوان ليس أمراً جديداً ، لكن الجديد فيه يكمن في أهمية استدعاء هذا المعنى في ظروف كالتي يعيشها العالم العربي في هذه اللحظة التاريخية. وفي تراثنا العربي الإسلامي محطات هامة في هذا الباب ، وربما كان الإمام العلامة محمد محمد حامد الغزالي سباقاً في الكشف على الأبعاد السيكولوجية للبشر، وذلك فيما ذهب إليه في كتابه المرقوم بشرفات المعاني وعنوانه ( كيمياء السعادة ) ، وفيه يصف البشر في تفاوتاتهم السلوكية، معتبراً أن كل ( الحيوانيين) البشريين ينتمون إلى عوالم السباع والضباع وغيرهم من المفترسات ، ويقرر الغزالي أن هذه الطبائع موجودة بطبيعتها في كل كائن إنساني، غير أن ظهورها وتجددها البائس يرتبط بعوامل محددة ، وأبرز عامل في هذا الجانب يتعلق بعدم تهذيب النفس وترويضها على الفضائل ، بمقابل استمزاج الرذائل وما أكثرها وما أسهل مناخها قياساً بالفضائل. الإنسان الحيوان، صفة مقرونة بالحياة وذلك عطفاً على الجذر اللغوي للكلمة والنابع من الحياة ، لكن الحياة هي أيضاً المعيار الأكبر لظهور الصفات الملائكية أو الصفات السبعية (نسبة إلى السباع)، وسنرى أن الصفات السبعية تتنوع وتتفاوت بدورها، حتى أن المفترس النبيل يختلف عن المفترس القميء، فالأسد غير الضبع ، وافتراس الأسد يختلف جوهرياً عن افتراس الضبع، وبالمقابل يختلف شكل الأسد عن شكل الضبع الأكثر قبحاً في عالم الحيوانات المفترسة . ألا ترى أن الأسد يأكل فريسته لأنه جائع، ولا يباشر التهام الفريسة إلا بعد نحرها خنقاً، وبالمقابل يأكل الضبع فريسته وهي حية ، ويباشرها من أطرافها وكأنه يتعمد إطالة آلامها الجسدية المبرحة . في عوالم الإنسان الحيوان سنجد نظائر اعتيادية للأسود والضباع معاً، وسنرى أن الفوارق الحيوانية البشرية تعبير عن خساسة الأخساء ونبل النبلاء ، لكن الناس المغايرين ، ممن حباهم الله نعمة الإرتقاء فإنهم ينتزعون أنفسهم من الحالة الحيوانية ليتعالوا في مراقي المحبة والعطف والإحسان والإيثار . قال الحلاج: سبحان من أظهر في ناسوته ، سر سنا لاهوته الثاقب. [email protected]