العدو الحقيقي للإنسان وللإنسانية في هذا الكون يسعى اليوم جاهداً وبكل ما لديه من قوة وإمكانات من أجل وأد ثورات الربيع التي قامت في الفترة الأخيرة في عالمنا العربي من أجل الحرية والكرامة للأرض وللإنسان وإسقاط أنظمة الظلم والقمع والفساد ... وبدلاً من أن تنجح هذه الثورات في تحقيق غايتها التي انطلقت لأجلها وتتمكن من إسقاط الأنظمة الظالمة الفاسدة كي تنتقل إلى تأسيس الدولة المستقبلية القادمة والقائمة على أسس من الحرية والكرامة والعدل والمساواة في الحقوق ، والتي يأمل الجميع بالوصول إلى تحقيقها .. نجد أن الواقع الذي يقدم نفسه اليوم بكل ما فيه من تفاصيل مريرة يوحي لنا بأن هذا الشيطان الأممي ربما صار أقرب منا في تحقيق هدفه الذي سعى إليه منذ البداية . يجعلنا هذا النظام ممثلين من النوع الرخيص المبتذل الذي لا قيمة له ولا وزن ولا ثمن في إطار مسرحية هزلية يحكم سيطرته عليها وبكل أطرافها ويخرجها بإتقان وقدرة عالية من الاحترافية العبثية من خلال تحكمه بمصير الأمم والشعوب المغلوبة على أمرها والتي جعلها مهمشة ومغيبة عن الواقع الحقيقي وكأنها لا تمت له بصلة تذكر ، بل ووصل بنا الأمر في ظل هذا السياق المسرحي إلى أننا صرنا نُقدم كضحايا ترتكب بحقهم كل تجارب الموت السحيق الذي لا ينتمي إلى الموت ، وأين ؟!! على تراب أوطاننا التي ننتمي إليها بعد أن تقرر أن تكون مسارح هلاكنا الدامي جزاء صحوة الإنسان فيها حين رفع صوته من جديد لينادي : إني خُلقت إنساناً ، وأنا اليوم أريد أن أكون إنساناً ... لذا كان الموت الشنيع هو الجزاء العادل الذي سنه الشيطان الأممي للإنسان الذي بُعث مرة أخرى مهدداً لوجوده الشيطاني على هذه البسيطة ، ويا ليته اكتفى بالموت جزاء . يُظهر الشيطان الأممي عكس ما يبطن ويدعي علناً أنه مع الحرية والكرامة للإنسان ، وأنه مع الشعوب من أجل التخلص والخلاص من أنظمتها الظالمة الفاسدة في الوقت الذي يسعى فيه جاهداً إلى توثيق فلسفته الجديدة التي تتلاءم مع الوضع المستقبلي القادم الذي فرضته عليه الثورات التي قامت في لحظة من الزمن غفل فيها عن الواقع نتيجة لاستهتاره الدائم بقدرة الإنسان على الفعل ، ولكنه تدارك هفوته سريعاً وأعاد صياغة الوضع الجديد الذي حول فيه هذه الثورات من ثورات قامت من أجل القضاء على الأنظمة الظالمة إلى ثورات تعمل على تجديد وتحديث هذه الأنظمة مرة أخرى وبصورة أخطر من ذي قبل لكي تتصدر المشهد السياسي العربي المستقبلي من جديد ليتجدد معها موتنا الحتمي والأكيد حين يُرمى بنا في هذه المرة إلى قاع المجهول والهاوية السحيقة فلا تقوم لنا قائمة وإلى الأبد . والمؤسف حقاً أن هذا كله يحدث بإرادتنا المطلقة التي سُيرت لتأدية هذا الدور المرسوم لها بدقة في السيناريو المسرحي الهزيل في ظل غياب الفكر الحقيقي الذاتي لهذا الإنسان البائس الذي لن ينجو من هذا المأزق التاريخي الذي وقع فيه إلا في حالة واحدة فقط ؛ وهي أن يعمل من هذه اللحظة على تأسيس فكر إنساني حقيقي صادق قادر على منحه الهوية الذاتية المستقلة والوجود الأمثل في هذا الكون ... في هذه الحالة فقط سنكون قادرين على البناء ، وسنعرف من نحن .