من (الوهط) المدينة اللحجية.. موطن النبوغ والتفوق.. جاء الفيلسوف العبقري د. أبو بكر السقاف.. وصنع لنفسه تاريخاً عظيماً ملهماً.. مثيراً للجدل..! وكشأن كل العباقرة المفكرين، فقد تعرّض السقاف أبو بكر لأشكال التنكيل والملاحقة.. كما تعرض من بعض أبواق الدين المتطرفة إلى التكفير والمروق.. وحاولوا لجم صوته وكسر قلمه وتشويه رأيه ومحاربة كتاباته ومؤلفاته.. ولا عجب، فهذه المعاناة والمكابدات نفسها تحدث للعباقرة العظماء، وقد حدثت لابن سيناء والغزالي وابن رشد وأبو بكر الرازي وغيرهم..! ظل العبقري السقاف يخالف بفكره وآرائه أفكار وآراء الخصوم المشدودة إلى الزمن القديم والمتصادمة مع سبل التقدم.. وهو يؤمن بأن التمرد على الواقع السائد الفاسد، والتحرر من شرنقة الأفكار الدغمائية الجامدة، هو الطريق إلى تطور المجتمعات وبناء الحضارات الإنسانية. المأفونون وحدهم من اتهموه بالإلحاد.. وبالانفصالية وكان قدره أن يقع ضحية سوء الفهم والتقدير والأحكام الجاهزة المجحفة..!. ولكن هذا هو حال العباقرة.. وويل لأصحاب الفكر المستنير من أصحاب الجمود والتحجر والتخلف..! عندما جاهر بأفكاره وآرائه ضد التركيبة القبلية الدينية العسكرية المتخلفة التي ظلت ولاتزال سائدة في نظام الحكم، أعلنوها عليه حرباً تكفيرية، وطعنوا حتى في انتمائه اليمني وفي وطنيته..! وكان السقاف قد كتب “الثقافة التقليدية السائدة ينطبق عليها قول الثوار الفرنسيين عن الأسرة الحاكمة في فرنسا قبل ثورتها العظمى: أن البوروني لا يتعلم شيئاً ولا ينسى شيئاً..” وهذه سمة عصابية لا تلتزم العقل..! وعندما أعلن صرخته المدويّة في وجه ما يتعرض له أبناء المحافظات الجنوبية أثناء وبعد حرب 94م قذفوه بتهم الانفصال والارتداد.. ومن أهم ما كتب حينها مقال (فتح الجنوب و”الاستعمار الداخلي”) صحيفة “الأيام” 7 ديسمبر 1994م، ومما قال فيه:(إن قوى الاستعمار الداخلي تكونت داخل مجتمع الإمامة) أي أن هذه القوى نشأت وتكونت سياسياً واجتماعياً قبل سقوط الإمامة..! وهي نفسها اليوم من شنت الحرب على الجنوب، وهي من عاملت وتعامل الجنوبيين باعتبارهم غنائم حية يجب إعادة صوغها لتقبل وترضخ لنمط فج من “الاستعمار الداخلي”..! أراد السقاف أن يسهم في تنوير العقل الوطني، فبدأ بعقله أولاً: ورام أن يهذب المجتمع ويغسله من أدران الاستبداد والفساد، فبدأ بنفسه تهذيباً، ويعتبر أن الأخلاق أساس تفكير الإنسان السليم, وأساس سلوكه القويم.. وأساس بناء وإصلاح الأوطان والشعوب..! هكذا كان ولايزال العبقري السقاف.. وهكذا كانت ولاتزال أفكاره أخلاقية وطنية إنسانية..! وكان الأجدر بنا - ولاتزال الفرصة أمامنا - تكريم عظماء وعباقرة الوطن بما يليق بمكانتهم.. حتى لا تتهمنا الأجيال بالإنكار والجحود مثلما نفعل الآن مع الفيلسوف د. أبو بكر السقاف الذي هو طريح الفراش، ولم نر أية التفاتة من أية جهة لإنقاذ حياة هامة وطنية فكرية كبيرة بحجم هذا العبقري..! [email protected]