من القاهرة!! أشعر بالصدأ، أني بحاجة إلى جلاء، فأختار المكان: القاهرة.. المسكونة بألوف الصالحين والعلماء والعباقرة والفنانين والمجاذيب والدراويش.. والذين يبحثون عن ذواتهم. للقاهرة طعم مختلف دفعني لتذوقه فاروق جاد السيد إبراهيم محمد الشعلاوي أستاذي في الأول الإعدادي، بقية من اختارهم عبدالناصر لتدريس أبناء اليمن. ولا أنسى عبده محمد القدسي، صاحب (الوعي الثوري) أمام محلات الغنامي، ش.26، الذي كان يثق بي عندما لا تكفي الميزانية لإشباع نهمي في (حواء)، (آخر ساعة)، (أخبار اليوم)، (المصور)،(الهلال). ومن أول ما أكمل إجراءات الجواز أتجاهل نداءات (الليموزين) فأركب الباص الجماعي لأسلّم على شعب مصر، (الليموزين) يأخذني بمفردي إلى العنوان، و(النقل العام) يأخذ شعب مصر معي.. العباسية بعد روكس، (باب الشعرية) ميلاد موسيقار الأجيال، وحفيد صاحب (الطبقات الكبرى) الإمام الأجل سيدي عبدالوهاب الشعراني، ثم (الإسعاف) لأترجل أمام دار القضاء العالي، بعد أن تجاوزت ميدان العقبة. وملخص الأسطورة أن مصر (وكالة من غير بواب) بلهجة المصريين و(بيت من غير حوي) بلهجة أشقائنا الصّناعنة، وبناءً على ذلك تشعر أنك وصلت إلى وطنك الأول، فمصر أكثر حناناً وأجمل وداداً وآمن مكاناً وأكثر عراقة في الحب والوصل والحنين. في يومين سابقين على اختيار د.محمد مرسي وصلت القاهرة.. بحثت عن عم عبدالجواد في روكس، وجدته، أسلمته حقيبتي، وانطلقت مع أحمد ابني إلى ميدان التحرير. استوقفني (ثائر)،عرض عليه أحمد بطاقته، مضينا بسلام، فمكتبة مدبولي (الله يرحمه) فالهيئة العامة للكتاب، فغداء فعودة إلى مصر الجديدة عصراً. القاهرة على موعد مع أول تجربة مثيرة.. فمصر حكمها بعد الثورة محمد نجيب لبضعة أشهر، أقاله مجلس قيادة عبدالناصر، ليموت قهراً من العرب، ثم محمد أنور السادات، ثم حسني مبارك الذي مرض قهراً، بعد أن أسقطه ثوار ميدان التحرير في 25يناير الماضي، استمراراً لحركة (كفاية) بقيادة زعيمها الروحي المفكر الراحل عبدالوهاب المسيري صاحب موسوعة الصهيونية.. أو اليهودية! بينما تبشر صحف مصرية قراءها: مات مبارك سريرياً!. حقاً لم يكن أحد يتوقع سقوط مبارك على هذا النحو المزعج السريع، فالعادة أن الشعب المصري يؤله حكامه من أيام رمسيس حتى السادات وكلمة (فرعون) في الهيروغليفية تعني الإله الزعيم أو العظيم.