قرأنا وسمعنا أن وزارة الثقافة تعد بالتنسيق مع وزارة الشئون القانونية قانونا يجعل من مدينة تعز عاصمة ثقافية ، وهذا بحد ذاته يعتبر صحوة متأخرة كان يجب أن تكون عقب عودة الوحدة اليمانية المباركة ، مع العلم لمن لا يعرف أن تعز هي فعليا ومنذ عقود خلت منبع للثقافة وحاضنة لها وبدون قانون .. فالثقافة والعلوم لكي تزدهر وتتطور لا تحتاج إلى قوانين فقط ، ولكنها تحتاج أولا إلى بيئة سليمة تكون فيها الحرية الكاملة للقول والإبداع خالية من الخوف ومن مظاهر السلاح والبلطجة والقتل والاقتتال ، كما تحتاج إلى مؤسسات تقوم بتبني الثقافة والإبداع والمبدعين ، وهذه المؤسسات للأسف الشديد تكاد تكون منعدمة أو مشلولة ، وإذا وجد بعضها فهي منشغلة بأمور بعيدة عن مهامها ، اللهم إلا مؤسسة السعيد للثقافة فهي تبذل الجهد الكبير ولكنها بمفردها غير كافية لتقوم بتنشيط العمل الثقافي والبحث العلمي في تعز .. فالمركز الثقافي مثلا الذي كان في سبعينات القرن الماضي وحتى منتصف الثمانينات شعلة للثقافة والنشاط الثقافي أصبح لا دور له إلا إقامة الفعاليات الاحتفالية المناسباتية فقط ، أما فرع إتحاد الأدباء والكتاب فلا نجد له نشاط إلا في المواسم الانتخابية للفروع ثم ينام نومة أهل الكهف ، وكذلك جامعة تعز وغيرها من المؤسسات التعليمية ومنظمات المجتمع المدني نشاطها غالبا يكون موسميا .. وهذا ما أضعف النشاط والفعل الثقافي في تعز وكاد ينسينا أنها عاصمة للثقافة ، مضافا إلى ذلك الإغراق في المركزية العامة للدولة ، الأمر الذي جعل أغلب مثقفي تعز ورجال الفكر فيها يشدون الرحال وينقلون نشاطهم إلى العاصمة صنعاء ، جريا وراء تحسين الوضع الوظيفي وضمان الحصول على الاستحقاقات التي لا يستطيع الحصول عليها إلا من هو في وجه المسئولين وأمامهم ، والتي غالبا ما تتأخر عن المحافظات والمدن الأخرى أو تهضم ، ولا يجد كل ذي حق حقه ، سواء في الترقيات أوالعلاوات أو الامتيازات .. ومع ذلك فقد كان المركز الثقافي وفرع إتحاد الأدباء الكتاب بتعز وبموازنة ضئيلة ترصد لهما من وزارة الإعلام والثقافة ومن الأمانة العامة لإتحاد الأدباء كانا لهما برامج ثقافية لنشاطهما السنوي والفصلي والشهري والأسبوعي أيضا ، وعلى ذلك كانا لا يقتصران بنشاطهما على منهم موجودين من المثقفين في تعز ، بل كانا يستقدمان أيضا العديد من الأدباء والمثقفين ورجالات الفكر من عدة مناطق ومحافظات ومدن أخرى حتى من المحافظات الجنوبية قبل عودة الوحدة ، وكان أولئك الأدباء والمثقفين يلبون النداء والدعوة برحابة صدر رغم عناء السفر .. وهذا يعيدنا إلى بداية القول أن تعز ليست بحاجة إلى قانون لجعلها عاصمة ثقافية ، لأنها كذلك ومنذ عقود مضت ، لكنها بحاجة إلى بنية تحتية ثقافية وإلى مؤسسات كبيرة بجانب مؤسسة السعيد للثقافة والمركز الثقافي بعد أن ينشط ويفعل ، لتكون جميعها متكاتفة نبع للثقافة والفعل الثقافي وعامل مهم في تنشيط الثقافة والبحث العلمي ودعم وتشجيع المبدعين .. وأذكر بالمناسبة أنه كان هناك مشروع مطروح في عهد المحافظ الأسبق الأستاذ صادق أمين أبوراس ، لإنشاء مجمع ثقافي وعلمي في مدينة تعز يشتمل على قاعات كبيرة ومتوسطة للفعاليات الثقافية والعروض المسرحية والسينمائية والمتاحف التي ستضم الآثار والموروث الشعبي والمنتجات الشعبية ومكتبة كبيرة عامة وغيرها من المنشآت ، وأذكر أيضا أني دعيت لحضور لقاء في بيت المحافظ تواجد فيه عديد من الشخصيات ذات الاهتمام الثقافي منهم الدكتور عبد الله الذيفاني والدكتور عبد القادر مغلس والأستاذ عبد الله أحمد أمير رئيس فرع إتحاد الأدباء ومدير عام الثقافة بتعز الأستاذ رمزي اليوسفي والأستاذ فيصل سعيد فارع مدير مؤسسة السعيد للثقافة .. وغيرهم من الشخصيات على رأسهم المرحوم الحاج أحمد هائل سعيد أنعم وولده الأستاذ شوقي أحمد هائل اللذان أبديا حينها بذل كل جهد وكل دعم معنوي ومالي لإنجاح ذلك المشروع الذي لقي أستحسان جميع من حضر ذلك اللقاء ، وأذكر أنه تم أو اتفق على تشكيل لجنة لدراسة المشروع وتحديد الإمكانات التي يتطلبها والموقع المطلوب لتنفيذه .. ولكن بعد أن غير المحافظ دخل المشروع المذكور آنفا طي النسيان ، ولذا فأنا أذكر الأستاذ شوقي أحمد هائل خصوصا وقد صار محافظا لتعز ومسئول أول عنها وعن إعادتها إلى ما كانت عليه سابقا عاصمة ثقافية ، وذلك بتبني ذلك المشروع الآنف الذكر والذي حاز على مباركته ومباركة والده المرحوم الحاج أحمد هائل ، وأبديا استعدادهما لتذليل كل الصعاب التي قد تواجه تنفيذه .. فبذلك المشروع الثقافي المتميز ستدخل تعز مدينة ومحافظة مرحلة جديدة من الازدهار الثقافي المتواصل ، الذي لن يكون موسميا ولا منعدما ، كما هو حاصل الآن ، خصوصا إذا عزز بتشكيل أو تكوين مجلس للثقافة للمحافظة من نخبة من المثقفين والعلماء والمفكرين تكون مهمتهم وضع البرامج الثقافية ليس فقط لسنة وإنما للأشهر والأسابيع والأيام بحيث تدمج كل أنشطة المؤسسات الثقافية والعلمية والتعليمية والرياضية أيضا وبالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني .. حتى نكون قد خلقنا بيئة ثقافية ومكنا لمؤسساتها أن تقوم بدورها المنوط بها وعند ذلك سيكون القانون الذي قد تعده وزارة الثقافة مجرد تحصيل حاصل ، وتأكيد لشيء قائم ، وأتمنى أن لا يكون هذا مجرد حلم وإن شاء الله يكون خيرا وتعود تعز عاصمة للثقافة بالفعل لا بالقول والأماني بحيث تتكاتف كل الجهود من كل الجهات التي يهمها عودة الثقافة إلى تعز بأفضل ما كانت عليه ، ويعود لها الحلم الجميل بعيداً عن مظاهر العنف والسلاح والتفجيرات والبلطجة والغل والأحقاد ، فهذه الظواهر البشعة شوهت وجه تعز وهي دخيلة على أبنائها الذين كانوا يوصفون بالتحضر والوعي والثقافة وحب الخير والسلام ..