بينما كنا نتجول في شوارع الكويت في أبريل 2010 قلت للصحفي الكبير عبدالرحمن بجاش: هذه المرة الأولى التي أراك فيها تلبس “الكرفتة”، رد مصطحباً أحزانه: لأني مسترخٍ نفسياً، لا مانع من أن أخنق نفسي ب«كرفتة». وبعد شرود قصير، وتأمل في هدوء الشارع وصفاء النفوس، أضاف: في صنعاء أظل متوتراً نفسياً طوال اليوم، منظر السلاح، وسماع طلقات الرصاص، و«هون» السيارات “المنبهات” التي لا تتوقف حتى في الحارات وعند إشارات المرور، وأخبار الثأر والتقطع، كلها أشياء لا تمنحك الاسترخاء النفسي، ولا مفر لديّ من البقاء في البيت أو المكتب واصطحاب صوت أم كلثوم وموسيقى ياني. أتذكر ذلك، بعد أن وصلت ظهر الأحد الماضي إلى مطار تعز، قادماً من جدة السعودية، وبعد أن أديت مناسك العمرة، برفقة شريكة حياتي، كان أول مظاهر الاستقبال انطفاء كهرباء المطار لدقيقة واحدة، وتم تشغيل المولدات الخاصة، ثم ضياع إحدى “دبات” مياه زمزم التي اصطحبتها من مكة، ثم صياح ضابط المطار: “هيا اخرجوا عنغلق الصالة”، ولا أدري أهذا مطار أم بقالة، وبعد لحظات من مغادرة المطار تذكرت أني نسيت هاتفي على كرسي الطائرة (ليس غبني على شاشة اللمس الأنيقة، بل على صور الذكريات في مكة والمدينة وجدة). بعد كل ذلك أعود إلى البيت لأنام، وارتاح من مشقة الحزن، فلم أستطع، لأني جاري حشر رأسي داخل بندقيته، وظل طوال ثلاث ليالٍ يستعرض صنوف السلاح جوار رأسي المتعب، مبتهجاً بزواج ابنه، حتى أصوات تلك الرشاشات “المعدلات” التي كادت تفقدنا أسماعنا أثناء اشتباكات صنعاء في 2011 لم أسمعها غير اليومين الماضيين. كيف سأذهب إلى جاري وأقول له: دامت أفراحكم، وهو الذي سهدني، وأفزع أطفالي وجيراني؟!. أتذكر الصحفي والإنسان الرائع بجاش، وارتدي “المعوز” التعزي وألقي بجسدي وسط الصالة بحثاً عن راحة واسترخاء وإزعاجٍ أقل. [email protected]