مشاكلنا وقضايانا في اليمن كبرت وتعقدت ومن الصعب علينا ايجاد حلول ناجعة لها مالم نتعامل أولا مع أسباب نشوئها وليس مع نتائج حدوثها..ونعتقد بأن اللجنة الفنية للإعداد والتحضير للحوار الوطني قد بدأت بخطوات جيدة في هذا الجانب خاصة بعد وقوفها الاسبوع الماضي أمام جملة من القضايا المهمة ورفع توصيات بها الى القيادة السياسية للنظر فيها..وعملية البحث في هذه القضايا قد تساعد بلاشك على خلق مناخات مناسبة وصادقة من شأنها أن تساعد على بناء جسور الثقة وترميمها لاسيما اذا ما تم اعتمادها والمصادقة عليها من قبل الأخ عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية ومن أهمها:الاعتذار لأبناء المحافظات الجنوبية والشرقية وابناء محافظة صعدة الشمالية عن الحروب التي شنت عليهم واعتبارها خطأ تاريخياً اضافة الى رفع ومعالجة المظالم التي لحقت بهم وكشف المتسببين فيها..وهو مايتوجب على كل الأطراف التي شاركت في صنعها أن تتحمل المسؤولية كاملة. لكن لو توقفنا قليلاً أمام الأسباب وتأملنا فيها جيداً خلال اكثر من ثلاثة عقود هي مدة حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح لليمن وبطانته التي أوصلت الأوضاع الى ما وصلت اليه، وجعلت اليمنيين يعيشون في ظل اللادولة لوجدنا أن حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح لليمن في حد ذاته كان خطأ تاريخيا يدفع اليمنيون اليوم ثمنه غاليا..وهذا ليس تحاملا او تجنيا عليه لسبب بسيط وهو:أن علي عبدالله صالح كان الحاكم الوحيد الذي اتيحت له فرصة لم يسبق ان اتيحت لحاكم قبله ولا نعتقد انها ستتاح لحاكم بعده ولكنه لم يستغلها..فقد استمر في الحكم ثلاثة وثلاثين عاما بصلاحيات مطلقة كان بإمكانه أن يقدم لليمن الكثير ويدخل التاريخ من اوسع أبوابه..لكن اعتماده على بطانة سيئة سمح لها بأن تتعامل مع الوطن والشعب اليمني وكل مقدراته وثرواته وكأنه مزرعة او اقطاعية خاصة بهم فأنعكس كل شيئ الى الضد تماما ولم ينتجوا للشعب اليمني خلال هذه الفترة الطويلة التي تكاد تساوي فترة حكم بيت حميد الدين إلا اوضاعا أعادت اليمنيين الى الوراء مئات السنين من التخلف والفقر وجعلت الآخرين يتعالون عليهم واضافة الى تعمد تجهيلهم من خلال ضعف التعليم بهدف تأخر وعيهم المعرفي وتغييبهم عن واقعهم الذي يعيشونه وعدم مواكبتهم لما يشهده العالم من تطورات في مختلف المجالات..وكادت الأمور تسير بهذا الشكل إلى ما لا نهاية لولا أن ماحدث في الوطن العربي وامتد لهيبه إلى اليمن ممثلا في ثورات الربيع العربي قد انقذ مايمكن انقاذه حين استيقظ الشباب من سباتهم الذي كانوا يغطون فيه نتيجة لتقاعس الآباء وتسليمهم بالأمر الواقع ربما ليأسهم من حدوث عملية تغيير في اليمن واقتناعهم التام انه من الصعب عليهم اقتلاع العائلة الحاكمة التي اصبحت كشجرة تمددت جذورها لتصبح أغصانها وأوراقها هي المظلة التي فرض على كل اليمنيين ان يستظلوا تحتها. لكن الشباب اكتشفوا انه بقليل من الشجاعة وتقديم التضحيات من اجل شعب ظلم سيكون من السهل عليهم تحريك هذه الشجرة الحاكمة التي تفرعت وتوغلت واقتلاعها من جذورها وإسقاط أغصانها وأوراقها الصفراء ليزول عن أبناء الشعب اليمني ظلالها الذي حجب عنهم الشمس والهواء وكاد يخنقهم بضيق التنفس كلما زادت هذه الشجرة في التمدد..خصوصا بعد أن تم إحاطتها بسور طويل من المقربين والأصهار والأنصار والمتمصلحين الذين نهبوا ثروات شعب بأكمله وجيروها لصالحهم على حساب مشاريع التنمية وتحقيق الاصلاحات..حيث لم يكن يهمهم تنمية الوطن وحل مشاكل الشعب بقدر ماكان يهمهم مصالحهم الذاتية فأتسعت مشاريعهم الاستثمارية في الداخل والخارج ووصل التنافس فيما بينهم لتحقيق الأكثر إلى حد لايصدق. وعندما تساقطوا كأوراق الخريف وتم كشفهم بفضل إرادة الشباب وتضحياتهم كان اكبر همهم كيف يحصلون على الحصانة التي تحميهم من ملاحقة الشعب وتقديمهم للمحاكمة..وبعد حصولهم عليها صاروا يعملوا في ظلها على زعزعة الأمن والاستقرار وعرقلة العملية السياسية انتقاما منهم على اخراجهم من بروجهم العاجية من جهة واستغلال هذا الوضع الآمن بالنسبة لهم لتهريب اموالهم الى الخارج وبيع مايمكن بيعه وتحويل عقاراتهم وما اكثرها بأسماء وهمية خشية من ان ينتفض الشعب ضدهم من جديد ويصادرها عليهم ويطالب بمحاسبتهم لأنهم استغلوا تسامحه معهم ولم يحترموه او يقدروا له هذا الفعل النبيل نحوهم. ونعتقد أن كلمة الأخ عبدربه منصور هادي رئيس الجمهورية التي ألقاها أثناء ترؤسه اجتماعا استثنائيا الاسبوع الماضي لحكومة الوفاق الوطني قد وضعت النقاط على الحروف لاسيما قوله: إن المعرقلين من أي طرف كان سيقدمون الى المحاكمة او يخرجوا من اليمن لأن بقاءهم وهم يعملون ضد ارادة الشعب اليمني في التغبير قد يدخلهم في مواجهة مع الشعب لايحمد عقباها..وعليه يجب ان يدرك هؤلاء ان ارادة الشعوب هي من ارادة الله لاتقهر ومهما قاموا به من اعمال هدفها عرقلة المسيرة لن يكتب لها النجاح وستجعلهم يندمون على سوء تصرفاتهم..الشعب اليمني تعب كثيرا خلال الفترة الماضية وظلم كثيرا في ادارته السياسية حيث لم تكن موفقة في ادارة اموره وتحقيق تطلعاته وطموحاته كما هو حال الشعوب الأخرى..ولذلك فهو اليوم بحاجة الى اعادة بناء نفسه من جديد كحق مشروع من حقوقه ليعوض مافاته خلال فترة العقود الماضية وبما ما من شأنه ان يمكنه من اللحاق بالركب كونه جزء من هذا العالم المترامي الأطراف.