تربطني بهذا الأسطور علاقة لاتنسى أجدني مشدوداً إلى شخصيته وبطولته كما لم يحدث مع أي شخصية اخرى ولذلك قررت أن يكون هو مشروع تخرجي من كلية الإعلام في عام 2000م ، قمت مع مجموعة من زملائي بعمل فيلم وثائقي عن الشهيد علي عبدالمغني. من سطح منزلي في السدة وادي بنا، أستطيع ان ارى بوضوح قريته ، خلال نصف ساعة كنت في المكان الذي ولد فيه علي عبدالمغني ، توفي والده في الرابعة من عمره ، وعاش يتيما وفي السادسة حفظ القرآن الكريم ، ثم سافر الى صنعاء مشياً على الاقدام والتحق بدار الايتام. في مسقط رأسه كانت الصدمة الاولى .. وجدت نفسي امام خرابة اكوام من تراب وأحجار مترامية كأطلال لمنزل أكل عليه الدهر وشرب وصار اثراً بعد عين ، لم اجد أي اثر او ذكرى لعلي عبدالمغني ، قيل لي إن صحفية قدمت الى المنطقة قبل سنوات وجمعت سيرة علي عبدالمغني وأنها حصلت على الصورة الوحيدة التي كانت للشهيد علي المغني ، قلت في نفسي من هي هذه الصحفية العبقرية التي حرصت على تتبع حياة هذا الشاب العملاق في ذاكرة التاريخ وأنها احتفظت بصورته الوحيدة، عرفتُ لاحقا أنها الدكتورة رؤوفة حسن، رحمة الله تغشاها. وجدت رجلاً مرهقاً وقد اشتعل رأسه شيباً ويبدو كالمجنون قال لي: ماذا تعمل؟ قلت له أعمل فيلماً عن الشهيد علي المغني، هتف بي: اذهب بعيداً، استغربت من سر غضبه، اقتربت منه وسألته مالك غاضب؟ فقال بحرقة: الثورة يقوم بها الابطال ويستولي عليها الأنذال، كنا نعمل في الارض فقال لنا: علي عبدالمغني تعالوا حاربوا من أجل الثورة وذهبنا وقاتلنا وقامت الثورة ورحل البطل علي عبدالمغني وذهبت خيرات الثورة لمجموعة من اللصوص في حين بقينا نحن ملتصقين بالتراب، انظر حولك حتى بيته أصبح خرابة. في صنعاء وقفت أمام الوالد الاستاذ احمد جابر عفيف في جلسة خاصة وسجلت معه شريط فيديو مازلت محتفظاً به حتى اليوم لم اجد اصدق من هذا الرجل ولا اكثر منه واقعية وحيادية .. عندما سألته عن علي عبدالمغني بدا متأثراً وأقسم بالذي رفع السماء أن عينيه دمعتا وهو يحدثني: “بعد الثورة كان علي عبدالمغني في اجتماع مع مجلس قيادة الثورة، قال لهم: (لقد بدأوا يزحفون نحو صنعاء للقضاء على الثورة) فصمتوا، فضرب بقلمه على الطاولة وهتف: "إذن سأذهب أنا لمواجهتهم". قال أحمد جابر عفيف عندما خرج علي عبدالمغني وأخبرني بما حصل نصحته بألا يذهب، كنت أشعر ان هناك كميناً بانتظاره، قلت له: "أنت الشاب الوحيد في مجلس قيادة الثورة أرجوك لاتذهب" ، لكن علي عبدالمغني أصر على الحفاظ على الثورة التي كان الدينامو المحرك لها ، فاستشهد في ذلك الكمين بصرواح ولم يجدوا له جثة أو يعرفوا له قبراً حتى اللحظة. ما أدهشني في شخصية علي المغني هو كيف استطاع شاب لم يتعدَ عمره الخامسة والعشرين أن يقوم بكل هذا؟ مثال ونموذج قوي للشباب اليمني وما يستطيع أن يعمله، لم يتزوج، خطب حرية بلاده ودفع حياته مهراً لها وكان يقول: "الثورة هي عرسي الحقيقي". ولك أن تندهش وأنت تقلب وثائق الثورة اليمنية فتجد عشرات الوثائق بتوقيع علي عبدالمغني ولك أن تقرأ مسودتين بأهداف الثورة اليمنية كتبها علي عبدالمغني، الاولى ثمانية اهداف، والثانية ستة اهداف، ولكم ان تسمعوا اشهر الضباط المصريين وهم يتحدثون عن ضابط شاب وضع الخطة العسكرية وقاد المدفعية مع زملائه الذين استشهدوا. قال لي العفيف: “كنت أندهش من كاريزما هذا الشاب، كان الشباب يلتفون حوله كخلية نحل، وكان يؤثر فيهم أيما تأثير”. أخبرني المناضل عبدالله عبدالسلام صبرة رحمة الله تغشاه عن علي عبدالمغني، قال: إنه ذات ليلة قبل الثورة جمعهم علي عبدالمغني وأخرج المسدس ووضعه على رأسه وقال لهم: "إذا كان في حد بيخون منكم قولوا لي اقتل نفسي من الآن، لأني لن أتحمل فكرة أن يكون بيننا خائن". رحمة الله تغشاك يا علي عبدالمغني.