بالنظر إلى جسامة المهام المرحلية والمستقبلية المنتصبة أمام حكومة الوفاق الوطني فإنني أتوقع أن يترأس الأخ عبد ربه منصور هادي، رئيس الجمهورية اجتماعاً مرتقباً لأعضاء هذه الحكومة يطلعهم فيها على نتائج جولته الأورو- مريكية الأخيرة ومباحثاته الناجحة مع المانحين، وبالذات بعد أن استطاعت اليمن أن تحظى بدعم الدول الشقيقة والصديقة من الراعين للمبادرة الخليجية بنحو7,5مليار دولار، حيث تتطلب هذه المرحلة وضع رؤية دقيقة لتنفيذ هذه المهام بحيث يلمس المواطن نتائج هذه المساعدات في أمنه الداخلي واستقراره المعيشي ونموه الاقتصادي، فضلاً عن تأمين المخارج المناسبة للتسوية السياسية انطلاقاً من الحوار الوطني الشامل حتى بزوغ معالم الدولة الجديدة بما يعني ذلك من إطلاق قدرات اليمنيين وتحررهم من أسر تبعات الأزمة التي عصفت بهم طيلة العامين الماضيين. إذاً أمام حكومة الوفاق الوطني مهام وتحديات جسيمة يأتي في طليعتها وضع البرامج والآليات الكفيلة باستيعاب المبالغ المخصصة التي تعهد بها المانحون لدعم برامج التنمية والعمل على تحويل الخطط المرسومة على الأوراق إلى مشروعات ميدانية يلمسها المواطن على الواقع ..وهذا _بالطبع_ يتطلب أموراً كثيرة ,لعل في طليعتها توافر روح الوفاق داخل منظومة الحكم الإحساس بعظم المسؤولية وجسامتها دون أن يعفي ذلك باقي القوى السياسية على الساحة الوطنية من خارج الائتلاف الحكومي في تحمل جانب من المسؤولية من خلال تهيئة الظروف الملائمة لمساعدة الحكومة على إنجاز مهامها بكل نجاح واقتدار. ولهذا فإن جميع الأفرقاء السياسيين سواء في داخل الائتلاف أو من خارجة مسؤولون مسؤلية مباشرة في إنجاح مهام هذه المرحلة، وبالذات إذا ما عرفنا بأن قوام لجنة الحوار الوطني ستضم تحت سقفها كافة هذه القوى مهما بدت مواقفها متباعدة أو متناقضة، وذلك بالنظر إلى أن الجميع يدرك حقيقة ما يعيشه الوطن من تجاذبات سياسية ( في جانب منها بفعل بعض القوى الإقليمية) تدفع باتجاه تعطيل مسار هذه التسوية بكل ما لديها من إمكانات فضلاً عما يرزح تحته المجتمع اليمني من أعباء معيشية واقتصادية بالغة الصعوبة ومشاكل اجتماعية معقدة وتحديات سكانية إضافية بالنظر إلى موجات البشر النازحة من دول القرن الأفريقي.. وجميعها تنذر بكارثة لا يتوقع أحد مدى تأثيراتها ما لم يستحضر اليمنيون حكمتهم المعهودة والتقاطهم للحظة التاريخية المتمثلة أولاً في دعم أنفسهم وثانياً في توظيف الدعم المادي واللوجستي المقدم من الدول الشقيقة والصديقة الراعية للمبادرة الخليجية .. و ما لم يعمل اليمنيون مع المانحين كفريق واحد فإنهم سيغرقون حتى أرنبة آذانهم ..وعندها فإن الوضع لن يكون بأحسن حال من الوضع في الصومال وذلك على أحسن تقدير.. وقتها فقط سيجلسون يعضون أصابعهم ويستذكرون بندم وحسرة اللحظة التاريخية التي فرت من بين أناملهم. في حقيقة الأمر، الأمل يحدوني أن يرتفع جميع الأفرقاء إلى مستوى هذه التحديات فيعملوا أولاً على تهيئة أرضية الحوار ويلتقون تالياً حول القواسم المشتركة لإعادة صيغة النظام السياسي وفقاً للإجماع وكذلك إعادة صياغة العلاقات الشائكة بين الأطراف ( سواءً كانت أطرافًا سياسية أوجغرافية ) وصولاً إلى ما يتمناه المواطن البسيط من أقصى اليمن إلى أقصاه وهي أمنية العيش الكريم تحت ظلال القانون وسيادة النظام وشيوع قيم العدل والمساوة والحرية أسوة بباقي الشعوب المتحضرة في أرجاء المعمورة. هذا وغيره من التطلعات لن تأتي بمجرد الأماني وحدها وإنما بالعمل الجاد المثابر والإستشعار بجدية التحديات وحجم المخاطر المحدقة بالوطن.. وهو الذي يقتضي بالضرورة أن يصار إلى ابتداع أشكال وطرائق جديدة للعمل في شقيه السياسي والتنفيذي وعلى النحو الذي يحقق الغايات التي جاءت من أجلها هذه الشراكة في الأداء الحكومي الوفاقي, بل وتضافرت من أجلها أيضاً جهود الأسرة الإقليمية والدولية لدعم مسيرة التجربة .. وبدون ذلك سنبقى ندور في حلقات مفرغة تقود الجميع _دون شك_ إلى الكارثة.. فهل تستشعر حكومة الوفاق الوطني عظم هذه المسؤولية وتحدياتها ؟ أم أنها ستخلد إلى الراحة في انتظار ما ستلقي به الأقدار؟!.