معاندون، متمردون ،معارضون، أقوياء ..هادئون بشكل ملفت...عبارات دائماً ما أسمعها من أولياء الأمور عندما تعترضهم بعض مشاكل أبنائهم المراهقين،وهو توصيف يظلم فيه الأبناء كثيراً،فدائماً ما نعتقد أننا نستطيع أن نربي أبناءنا كما تمت تربيتنا ،بنفس الأسلوب وبنفس الوسيلة،ونحن هنا نخدع أنفسنا فليس الزمان زماننا،فأبناؤنا يعيشون عالماً منفتحاً على جميع الثقافات،أصبحوا يعرفون كل شيء ،مظلومون هم ؛لأننا وبغباء مقلق نرفض أن نصادقهم ,ونضع لهم حدوداً في علاقتهم معنا ,فيلجأون إلى الآخر ,والآخر هذا قد يكون أكبر منهم عمراً !! أوقد يكون من أصدقاء السوء، و قد يكون...الانترنت ! ذلك العالم الواسع المفتوحة أبوابه والذي لا حدود فيه لشيء. كنا قد بدأنا في المدرسة نلمس بعض التغيرات في علاقة بعض التلاميذ مع بعضهم البعض..شراسة في التعامل, تهديدات مبطنة ،شكوى أولياء الأمور عن مشاكسات خارج المدرسة....وغيرها. استدعيت الاختصاصية الاجتماعية في المدرسة،سألتها عما يحدث،وبدأت تسرد لي ما تعانيه مع التلاميذ, وبعض أولياء الأمور, وعدم استيعابهم لمراحل المراهقة التي يمر بها ابنهم، وناولتني مجموعة من الأوراق التي كانت تحملها. سألتها:ما هذا؟! أجابت:هذه أوراق سحبت من محادثة خاصة بين أحد تلاميذ المدرسة وصديق لا أعرف من هو على الفيس بوك، والأولاد يهددون بعضهم البعض بها. أخذت منها الأوراق وبدأت أقلبها ، كانت تزيد عن الخمسين ورقة،وقرأت بعض العبارات التي اشعرتني بالاشمئزاز وبمدى خطورة ما يتعرض له أبناؤنا دون أن نشعر. واستمرت قائلة: اقرأي أستاذتي. وستجدين العجب فيها, وكيف يهمل بعض أولياء الأمور متابعة أبنائهم ،أنهم يكونون صداقات مع أشخاص يكبرونهم أحياناً في السن , والذين يدفعونهم ليتحدثوا عن أنفسهم, وعن أحلامهم ,وعما يعانونه من مشاكل ,مادين لهم يد المساعدة في أي وقت ,وبأي شكل من الأشكال وبطريقة خبيثة ،ويبدأون في استغلال ما يعرفونه عنهم, و ارتباطهم الوثيق بصداقتهم ؛ليصلوا إلى ما يريدون ,مستغلين انشغال الأهل تارة ,أو وجود مشاكل مع الأسرة تارة أخرى . وهذه الأوراق يهدد بها تلميذ في المدرسة ؛تناول بعض زملائه بالتجريح على الفيس بوك...كنت أسمعها وأنا في حالة ذهول هل يمكن أن أسمح لتلاميذ مدرستي أن يتعرضوا للتهديد؟ وبهذا الشكل المدمر لهم؛ سواء أكانوا أطفالاً, أو في سن المراهقة !! أحسست بمدى المسؤولية التي تتحملها المدرسة تجاه هذا الأمر مع الأسرة, وعقدت اجتماعاً طارئاً مع الاختصاصية ومربيات الفصول ،وتمت مناقشة هذه المشكلة الجديدة ومدى ما يمكن أن تقدمه المدرسة كجزء من مسؤوليتها ؛فهؤلاء أبناؤها وهم يتعرضون لمضايقات خارج إطار أسرهم ومدرستهم ،ولا يمكن أن نتركهم وحيدين؛ ولحساسية سنهم والمرحلة التي يمرون بها فلابد أن تتدخل المدرسة كجزء من معالجة هذه الظاهرة الخطيرة .وأجمعنا على ضرورة إنشاء صفحة خاصة بالمدرسة على الفيس بوك نخصصها للتلاميذ وأصدقائهم ,نعطيهم فيها الحرية في أن يتناولوا أي موضوع يريدونه ,وبأسلوب لا يحسون معه بأي ضغط أو أنهم سيعاقبون . ودخلنا جميعاً هذه الصفحة بأسماء وهمية ؛لنراقب ما قد يتعرضون له من ضغوط ,أو صداقات لعديمي الضمير والإنسانية ,ونجحت الفكرة, وأصبحت هذه الصفحة متنفساً لأغلب تلاميذ المدرسة ,واستطعنا أن نتدخل في مرات عديدة لمساعدة بعض التلاميذ، وحل مشاكل لا يستطيعون أن يصارحوا آباءهم, أو الاختصاصية الاجتماعية في المدرسة بها. وهذا العام قررنا أن ننشئ مجموعة مغلقة خاصة بأولياء الأمور والمعلمات؛ ليتم مناقشة ما قد يتعرض له أبناؤهم من احتكاكات على صفحات الانترنت ،وأيضاً عقد مقابلة أسبوعية مع معلمة, وبعض أولياء الأمور؛ ليتم مناقشتهم في أمور تهم ابنهم، وهي لتطلعهم عما قد يتعرض له والجميع يتابع لتعم الاستفادة . وكان قرارنا أن نرغم ولي الأمر على دخول هذا العالم حتى وإن كان ممن لا يدخل عالم الانترنت ؛الذي يغرق فيه ابنه دون أن يشعر أن تربية الابناء “وبالذات الذكور” هذه الأيام مختلفة بل ومخيفة أحياناً, فوجود الأصدقاء والذين يحاول الأبناء تقليدهم وامتلاك ما يمتلكه أصدقاؤهم من الأشياء دون أن تحس الأسرة بضغط الأصدقاء على أبنائهم؛ فهناك أشياء يستحيل مراقبتها بشكل مستمر مثل: الهواتف الخلوية ,البريد الالكتروني ،رسائل ال mmsوالفيس بوك. وهنا يعيش الاولاد في عالمين ،عالم الأصدقاء والذي يحاولون أن يكونوا هادئين وأقوياء وحذرين ومقلدين فيه ،وعالم الأسرة والذي يظلون فيه أطفالاً صغاراً يرتكبون الأخطاء. .رسالة أوجهها لولي الأمر بأنه لابد أن تتعرف على أصدقاء ابنك وعلى أهاليهم ,وأن تكوين علاقات إيجابية مع أصدقاء ابنك يزيد من فرصة أن تكون العلاقة بينه وأصدقائه إيجابية أيضا. رسالة نوجهها لأولياء الامور.....ابحثوا عن أصدقاء أبنائكم وجدوهم ومن ثم صادقوهم. ودمتم ،،،