الجماعة المتحاورة والمتشاورة, والملأ في الفكر السياسي اليمني المجلس الأعلى للدولة الذي يمثل السلطة التشريعية ويضع الدساتير ويسن القوانين, وعندما يخالف رأي الجماعة أو يتخذ قراراً بدون العودة إلى الملأ فإن الرد على ذلك بالقول: ماكان هذا على ملأ منا أي لم يؤخذ رأينا فيه ولم نتشاور ونتداول الرأي فيه, أو لم يعرض علينا, وقد أشرنا إلى قول الله سبحانه وتعالى على لسان ملكة اليمن “قالت يا أيها الملأ افتوني في أمري ماكنت قاطعةً أمراً حتى تشهدون” صدق الله العظيم, حيث تشير تفاسير هذه الآية الكريمة أن الملكة اليمنية لم تكن تفصل في أمر أو تمضي حكماً حتى يحضر الملأ للمشاورة والمحاورة وتقليب الآراء ومداولتها وتقديم المفيد النافع للناس كافة, وقد شددت الملكة على عدم اتخاذ أي قرار من قرارات الدولة إلا بموافقة الملأ المعبر عن الإرادة الكلية للشعب. لقد أشارت المراجع التاريخية أن عدد الملأ الذين اختارهم اليمنيون للمشاركة في صنع القرار في ذلك الحين قد بلغ 313 نائباً يمثلون أقاليم الدولة اليمنية في ذلك الحين, وكل نائب قد تم اختياره ليمثل عشرة آلاف مواطن بالانتخاب الحر المباشر عبر الديمقراطية المباشرة, وبذلك يمكن أن نستنتج أن حجم الهيئة الناخبة الذين بلغوا سن المشاركة السياسية في ذلك الوقت قد بلغ ثلاثة ملايين ومائة وثلاثين ألف ناخب وناخبة, وبذلك التنظيم الدقيق يتضح حجم الدولة أو الامبراطورية اليمنية سواءً كانت المعينية أو السبئية أو الحميرية وهي الدول المركزية الثلاث التي استطاعت أن تمد نفوذها إلى حدود الدولة الفارسية والرومانية. إن تعريف الملأ أعلاه يعطي دلالة واضحة على المفهوم العملي للديمقراطية المباشرة والنيابية وينطلق من الواقع الموضوعي للمشاركة السياسية التي أرسى تقاليدها اليمنيون منذ أكثر من ثلاثة آلاف قرن قبل الميلاد, وهذا يقودنا إلى الحديث عن النظام السياسي الذي كان سائداً في تلك الفترات من تاريخ الامبراطورية اليمنية القديمة وهو ما سنتناوله في العدد القادم بإذن الله.