بعض الباحثين - إن لم أقل أغلبهم - لم يعر الجذور التاريخية للحياة الديمقراطية في اليمن أي اهتمام، وهذا من المعيب في الباحثين خصوصاً اليمنيين منهم، فعند الحديث عن النظم السياسية يذهب الباحثون بعيداً عن مدرسة الديمقراطية في الحياة السياسية اليمنية الضاربة بأعماقها في جذور التاريخ، وعندما أشرت إلى حجم الملأ المنتخبين من القوم للمشاركة السياسية في صنع القرار في الدولة اليمنية القديمة في معين وسبأ وحمير فإن الحديث قد تركز على الديمقراطية المباشرة والديمقراطية النيابية. وقد قلنا: إن اليمن هي الأقرب للممارسة العملية لمفهوم “حكم الشعب بالشعب”، وليست الديمقراطية اليونانية للأسباب التي تمت الإشارة إليها سابقاً. أولاً: يمكن الإشارة إلى أن النظام السياسي في الدول اليمنية كان ديمقراطياً خالصاً بموجب الحيثيات التالية: إن الشعب في تلك الفترة كان مصدر السلطة ومالكها، وقد ثبت ذلك في قول الله تعالى على لسان ملكة اليمن، “وقالت ياأيها الملأ افتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون”. - إن الشعب مالك السلطة ويمارسها بالفعل، وقد اتضح من خلال رد الملأ في قوله تعالى: “نحن أولو قوة وأولو بأس شديد”. إن النظام ديمقراطي نيابي، وقد اتضح ذلك في قوله تعالى على لسان الملأ..”والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين”؛ حيث فوض الملأ الحاكم باتخاذ القرار بعد أن طرح البدائل اللازمة لحماية الدولة وصون سيادتها والحفاظ على بقائها وديمومتها. وقد عرف بعض المفكرين الديمقراطية بقوله: حيثما يكون للشعب في مجموعة السلطة السيادية العليا فهذه هي الديمقراطية”. وبذلك فإن النظام السياسي في الدول اليمنية القديمة ابتداءً بالدولة المعينية ثم السبيئة ثم الحميرية ووصولاً إلى الدولة اليمنية الرابعة في العصر الحاضر، نظام ديمقراطي قائم على حق الشعب في امتلاك السلطة وممارستها على أرض الواقع، فماهي خصائص تلك الديمقراطية؟ في العدد القادم نتناول ذلك بإذن الله.