في مثل هذه الأيام من كل عام نشاهد طوابير طويلة لا تتوقف عند مدخل “باب السلام” من أجل الوصول إلى مكان قبر الرسول الكريم الذي دفن في حجرة عائشة رضي الله عنها، إلى جواره صاحباه ورفيقا دربه: أبوبكر وعمر رضي الله عنهما، وعند ذاك المكان نجد صنوف المذاهب والأفكار والطرائق الدينية، كلها في طابور واحد لإلقاء التحية على الحبيب المصطفى، فهناك العاقل الواعي لدينه الذي يدرك أنه لا يجوّز شيئاً أكثر من التحية، ثم يفسح المجال لغيره في الزحام، وهناك من يدعو ويكثر في الدعاء، وله طريقته الخاصة في التعبد، وهناك من يبكي وينتحب، ويندفع مصحوباً بدموع ولهفة دينية، لا يدري أين يوجّهها، فيدفع الناس بقسوة لا مبررة، من أجل تقبيل منبر رسول الله أو التمسح بجدران محاربه، قلت لنفسي حين شاهدت تلك المواقف في رمضان الفائت: هل يدري هذا الأخ المسلم أنه يقبّل (ألمنيوم)، و(أخشاب) و(أسمنت) ليست من الإسلام في شيء؟ وهل يعرف هذا المتحرق شوقاً وبكاءً أن الألمنيوم مُصَنعٌ حديثاً وليس هو المنبر الحقيقي للرسول الكريم، صحيح الأخشاب كما هي، لكن السياج الذي يحيط بها مستحدث، لكن لا بأس، فالمسألة تحتاج إلى تفقه أعمق في الدين، فهذا الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، الذي أيد القرآن كلامه وشهد له رسول الله بالعلم؛ يقف أمام الحجر الأسود ويخاطبها:”والله إني لأعلم أنك حجرٌ لا تضرين ولا تنفعين، ولولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك”، لكن هذا عمر، وهؤلاء المتدافعون عند منبر ومحراب الرسول غالبيتهم من سكان شرق ووسط آسيا، خاصة باكستان وأفغانستان!! ممن ثقافتهم الدينية محدودة. وعند زيارة مقبرة البقيع الملاصقة لفناء الحرم النبوي يتكرر ذات المشهد، لكن هذه المرة مع معتنقي المذهب الشيعي، فهذه الساحة قُبرَ فيها أكثر من عشرة آلاف صحابي، لا يوجد أي دليل يشير إلى قبر أحدٍ منهم سوى التخمينات، وليست دقيقة، ففي المقدمة قبر فاطمة الزهراء بنت رسول الله رضي الله عنها، ورغم أنه مجهول التحديد، إلا أن شيعة كُثر يبكون عند مقدمة المقبرة، ويتوسلون، ويرجون الرحمة والشفاعة!، وأشياء ما أنزل الله بها من سلطان، وفي المقدمة أيضاً قبر أمّنا عائشة رضي الله عنها، وفي عمق “البقيع” قبر داخل حوض أسمنتي على الأرجح إنه لذي النورين عثمان بن عفان، ولا يمكن أن تجد عنده شيعياً واحداً يقرأ الفاتحة، والمسألة في تقديري اجتهادات مذهبية لا يجب أن تضرب صلب الإسلام، وتكون مدعاةً للتفرق بين المسلمين. [email protected]