في مرحلة زمنية فارقة من حياة اليمنيين كان قدوم المقدم إبراهيم محمد الحمدي إلى سدة الحكم في شمال الوطن آنذاك بعد أن تقلد عدة مناصب كان آخرها نائب رئيس الوزراء لشؤون الأمن والدفاع، وهو المنصب الذي فتح للرئيس الشهيد الباب لتوحيد الجيش اليمني المفكك والمقسم إلى وحدات ومليشيات على أساس قبلي وطائفي ومناطقي كل منها يتبع هذا القائد أو ذاك، استطاع إبراهيم الحمدي وفي فترة وجيزة من تسلمه لمنصبه توحيد هذا الجيش وتحت قيادة وزارة الدفاع أو ما أطلق عليه مجلس القيادة آنذاك، والذي شكل بعد تسلمه السلطة عقب الإطاحة بالقاضي عبدالرحمن الإرياني في انقلاب أبيض، وقام بتوديعه الرئيس الحمدي، وبحضور بعض من أعضاء مجلس القيادة في مطار تعز بعد أن اختار منفاه ليستقر القاضي عبدالرحمن الإرياني - رحمه الله - في دمشق ويبدأ الحمدي في قيادة دفة الحكم في الثالث عشر من يونيو 1974م.. ويعتبر الكثير من المتابعين حركة 13 يونيو التصحيحية بمثابة حجر الزاوية الرئيسي في إعادة روح ومسار ثورة 26 سبتمبر1962م إلى مسارها الصحيح بعد أن اختطفتها مراكز قوى محلية وإقليمية وحتى دولية؛ بتدخلاتها وإشعال الحروب والفتن وتهجير وتصفية الثوار مثل المشير السلال والبيضاني واغتيال الزبيري وعبدالرقيب ومحمد صالح فرحان وكثير ممن كان لهم الفضل بعد الله في إشعال الثورة المباركة الأم في بداية ستينيات القرن الماضي وحتى من قبل ذلك التاريخ ومن بعد بما في ذلك بعض القيادات الشابة الذين تم التآمر عليهم وتصفيتهم وبأبشع الأساليب الهستيرية الهوجاء، بل لا تخلو من المناطقية المقيتة، وفي ظل صمت وخنوع أهاليهم ولأسباب غير معروفة حتى اليوم، وكما تحدث البعض في كتب ومنشورات قبل سنوات من الآن..! وبالعودة إلى بدء نقول: عندما أقدمت القوى الرجعية والملكية على تنفيذ جريمة اغتيال الحمدي كانت تخطط بالفعل لما بعد الحمدي، وأرادت من وراء هذه الجريمة وأد حلم اليمنيين في تحقيق الدولة المدنية الحديثة التي كان اليمنيون ينشدونها فكانت الجريمة البشعة في 11 من أكتوبر العام 1977م. ثم تبع ذلك تصفية الرئيس سالمين بعد تأزم الوضع الداخلي في الشطر الجنوبي من الوطن آنذاك، والضغط الشديد الذي كان حاضراً من قبل الجامعة العربية والمجتمع الدولى وإن لم يكن بما يحصل اليوم للانقسام الذي كان عليه المجتمع الدولى (معسكرين شرقي وغربي)، لكن في النهاية مثل اغتيال الشهيد الحمدي كابوساً حل على اليمنيين، فالصدمة عمت الشارع اليمني شماله وجنوبه، فلم يكن الحمدي - رحمه الله - يمثل فئة أو طائفة أو قبيلة أو جماعة ومدينة أو قرية أو أو أو إلخ.. إنما كان أمة في رجل رحمه الله.. من المفارقات العجيبة اغتيال شقيقه عبدالله الحمدي قائد قوات العمالقة في نفس اليوم خشية الانتقام، فالمخطط كان مدروساً ومعداً بعناية، ولم تقم به حسب اعتقادنا مجموعة أشخاص فحسب، فالأمر أكبر من ذلك بكثير وخطير؛ حيث تآمرت عليه قوى رجعية وملكية حاقدة تضمر لليمن واليمنيين الشر، وكان لها ما أرادت باغتيال الحمدي وشقيقه عبدالله.. لكن موقف سالم ربيع علي الرئيس في جنوب الوطن آنذاك، والذي هدد عند حضوره مراسيم جنازة الشهيد الحمدي وبحسب روايات بالانتقام من قتلة الحمدي وعاد غاضباً إلى عدن؛ لأن حلم بناء دولة الوحدة كان حلماً مشتركاً بين الحمدي وسالمين، واتفقا على البدء في تنفيذه، بل وصلا إلى مراحل متقدمة في سبيل تحقيق وحدة الشطرين، ولم يكن يفصل بين حلم تحقيق الوحدة والرجلين سوى عدة ساعات، فقد جاء اغتيال الشهيد الحمدي في ال11 من أكتوبر 1977م ليحطم حلم الرجلين، ويعيد الوطن الممزق آنذاك إلى مربع هو الشر كله.. في الوقت الذي تحدد بمغادرة الرئيس إبراهيم الحمدي صنعاء باتجاه عدن في 13 من أكتوبر 1977م، أي أن 48 ساعة فقط تفصل بين حادث الاغتيال وسفر إبراهيم الحمدي إلى الموعد الوطني الذي حدد إعلان الوحدة، وبحسب روايات كثيرة في ال14 من أكتوبر 1977م في عدن، لكن سبق السيف العذل، كما يقال، وبعد هذا الحادث المؤلم الذي أربك الرئيس سالمين كثيراً؛ كونه فقد السند القوي أو الركن الذي كان يستند عليه، والأمل الكبير الذي كان يؤمل عليه ومعه في تحقيق أحلام اليمنيين، ولم يدر في خلد الشهيد سالم ربيع علي أنه سيكون الهدف التالي لقوى الشر والتخلف والرجعية وفلول الملكيين وأعداء الأمة العربية، وكما جاء في رسائل التأبين الكثيرة التي بعث بها وعبر عنها كثير من الساسة والإعلاميين ورجال الفكر والثقافة في الوطن العربي.. فأحد الصحافيين العرب كان يعمل رئيساً لتحرير مجلة اليمامة السعودية يقول:«قابلت الحمدي بعد ثلاثة أيام من وصولي للاطلاع على الحياة في اليمن، وحين فتح لي باب المكتب، كان الرئيس يقف في استقبالي بزيه البسيط: بدلة ذات لون بني، وقد بادر بالسؤال عن «اليمامة» وجهازها يدل على متابعة خاصة، فقلت له: كيف تجد يا سيادة الرئيس الوقت الكافي لمتابعة هذه الأمور، وأن تقرأ أيضاً بهذا الشكل؟ فقال الحمدي: أي رئيس هو إنسان قبل أي شيء. إن مكتب الرئيس إبراهيم الحمدي، غرفة متواضعة جداً من غرف القصر الجمهوري ولا أدري لماذا تخيلته فارس اليمن سيف بن ذي يزن محرر اليمن من الأحباش والأوباش؟! وأشهد بأن الحمدي ينفع صديقاً لكل إنسان». أما افتتاحية صحيفة الأهرام القاهرية فقد أوردت: «لقد رحل عن المسرح السياسي رجل التوازن البارع إبراهيم الحمدي»(1)، وكثير من بيانات النعي التي وردت والمجال لا يتسع لذكرها، لكن تظل هناك عدة تساؤلات عدة تبحث لها عن إجابة: لماذا لم يتم الكشف عن القتلة وطيلة سنوات طويلة تجاوزت الثلاثة عقود ونصف؟ هل لأن خيوط المؤامرة كانت متعددة والقتلة كثر أم أن هناك خفايا وأسراراً لم يكشف عنها حتى اليوم؟ وستأتى اللحظة التي يخرج البعض عن صمتهم، وتعلن تفاصيل جديدة وأسماء ربما لم توردها روايات الكثير من الناس حتى الآن؟ وإن كانت حادثة الاغتيال وحسب اعتقادنا قد انحصرت بمكان واحد لا خلاف عليه هو منزل نائب الرئيس الحمدي.. (1) ويكيبيديا، الموسوعة الحرة [email protected] رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=455086491197098&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater