سنغلق أعيننا ونجمد أحاسيسنا ونعطي للعقل إجازة إلى نهاية عام 2014م وسنكف عن تصنيف الوضع المعاش إلى أي الفصول ينتمي، وسنتوهم أننا مستوعبين ومصدقين أننا في مرحلة مخاض ثورة ، ولكن لا تطالبونا أيضا بأن نؤمن بخوارق العادات في عصرنا الراهن ، وبأن الدماء والدمار والانفلات الأمني والإرهاب الذي تعيشه اليمن هو ربيع عربي ، وبأن هذا ثمن لبناء الدولة المدنية الحديثة التي لم يتمخض منها غير ليلاً أكثر سواداً من الليل السابق. وتستمر شماعات العجز والفشل والشماعة ومنها (هيكلة الجيش ) وبناء جيش وطني موحد ، ولكن قبل كل شي هل يعقل أن نضع علاجاً موضعياً لنزيف داخلي يعيشه اليمن؟ وهل يعقل أن نقيع السدر والقراءة عليه يشفي مريض الايدز؟ بل لابد من معرفة مصدر ومنشأ المرض ومن ثم الحلول والعلاج إذ الأحرى قبل هيكلة أي شي هيكلة القبيلة أولاً. فحتى نبني الدولة المدنية الحديثة علينا أولا أن نعيد هيكلة القبيلة من خلال اعادة ترتيبها ونزع السلاح منها، وجعل الدولة هي الوحيدة المعنية بحفظ الأمن والاستقرار وهي ايضا الوحيدة المخول لها امتلاك السلاح. وبما أن مجتمعنا قبلي وبكل مصداقية كانت ثورته قبلية، وكما قال هيكل: “لا ثورة في اليمن بل قبيلة تريد أن تتحول إلى دولة” فالولاء للشيخ والقبيلة يأتي قبل الولاء للوطن.. فهل بالإمكان هيكلة القبائل اليمنية وإذابة التعصب والتناحر والولاءات الضيقة؟ هل بالإمكان أن توقف القبائل حمامات الدم باسم الثورة والحرية؟ وهل بإمكانها أن تذوب تحت شعار استورده الشباب وأصبح لوحات تحملها القبيلة وهي لا تستطيع حتى أن تتهجى سطوره؟. لست ناقمة على طبيعة المجتمع اليمني الذي افتخر بالانتماء إليه، ولكن ينبغي أن نصدق مع أنفسنا ونفكر بقليل من العقل، هل قائد الحزب وعضو البرلمان والوزير يستطيع أن يتبرأ من التابعية للقبيلة ووجهائها إذا تعارضت مع مصلحة الوطن فتذوب القبيلة لصالح الوطن؟ هل للمثقف والأكاديمي الحاصل على أعلى الشهادات والمحلل والأديب والكاتب والمخترع أن يعيش يوماً بعيداً عن همجية القبيلة التي تخلق رجالاً يصنعون الموت عقاراً لكل من يخالف أو يتطلع لإزالة الولاءات الضيقة لها؟ ... كيف ذلك والقيادات التي تنادي وتتشدق بمناشدة الدولة المدنية الحديثة تُلفظ أرواح شعاراتها تلك بمكالمة تلفونية من شيخ القبيلة؟.. إذا مجتمعنا لا يزال غير مؤهل لأن يكون مجتمعاً متحضراً، قد نستطيع خلع وصف فرد أو أفراد أو عائلة وأسر متحضرة أما المجتمع ككل فلا يمكن ذلك. ألم تتجسد القبيلة كعنوان بارز منحوت في كل ساحة وفي كل خيمة وفي كل معسكر وشارع لا اقصد القبيلة البدائية العريقة بل اقصد القبيلة التي حوارها السلاح ونهجها القوة والتسلط وغايتها الوصول إلى السلطة والحكم بقانون الغاب ولو عبر جثث الشعب وممارسة الإرهاب عليه. ألم تغلق الشوارع من قبل العناصر المسلحة التابعة لشيخ القبيلة، ألم تنهب السيارات والباصات من قبل مجاميع ثائرة مسلحة تابعة لشيخ قبيلة ، ألم تقطع أعمدت الكهرباء وتفجر أنابيب النفط على يد عناصر تخريبية تتبع القبيلة الفلانية، ألم تقصف المنازل والحارات قصفاً عشوائياً من قبل أنصار القبيلة العلانية بدعم من المعسكر الفلاني ضد القبيلة المعاديه لها، أولم يقبض الثمن من الصديق والشقيق من اجل تسليح قبيلة ضد قبيلة؟ ألم تترصدنا خلال المرحلة المنصرمة مجموعات من المسلحين وتطالب منا إخراج البطاقة للتأكد من الانتماء للقبيلة المستهدفة ومن ثم احتجاز المنتمين إليها؟. عذراً مجتمعي القبلي قد يغضبك حديثي ولكن أين مصلحة الوطن في كل هذا وأي مدنية وأي هيكلة جيش تنشدون؟ أم أن الشعارات المستوردة من الخارج هي شعارات حتمية نرددها كالببغاء ولا نعرف حقيقتها أو مقصودها ؟ أليس الحامي والراعي والداعم للساحات شيخ قبيلة!، ألم ينحني المثقفون أمام سلاح ونفوذ شيخ أمي لا يعرف القراءة والكتابة!!، ألم ينحني المفكر والمحلل المعارض أمام الشيخ الملياردير الإمبراطور!؟. ألا يكون لكل هذا نتيجة حتمية ومنطقية وهي تابعية الجيش للقبيلة لا لمصلحة الوطن والمجتمع كله بكل مثقفيه وأكاديميه إن قالت القبيلة ولا الضالين يقولون خلفها آمين وإن وجد خارج عنها فهو إما مارق يقتل أو يغتال. خلاصة هذا الواقع والوضع المزري هو تجسيد دولة قبلية مستبدة ومسيطرة فأين الدولة المدنية إذا؟ ومن يؤمن بها في مؤخرة الصفوف يتقدمهم قبائل يتشدقون بالمدنية لدرجة تثير الغثيان شكلا ومضمونا حتى أنهم لا يتقنون لفظ الجملة بالشكل الصحيح لغتهم السلاح، التعصب، التناحر، ورداءهم الحزام المليء بالرصاص ووو...الخ وبيدهم عصى الإمام وبكل وقاحة ينشدون الدولة المدنية الحديثة بل إنهم ينشدونها نكاية أو تمويه أو وسيلة للبقاء والسيطرة، فلا داعي للمزايدة حتى لا نصبح أضحوكة بين الشعوب التي لايهمها من اليمن غير شريانها الحيوي وموقعها الجغرافي وبقاء هذا الشعب متخلفاً بدائياً ليتمشى ذلك مع مصالحهم. ألا تفكرون يامثقفونا - الصامتون إلى الأبد- أن فقاعة الدولة المدنية الحديثة هي مسمار جحا لا أكثر وكما هو الحال بتعز عاصمة الثقافة تخدير موضعي وجرعة أدت إلى الدخول في غيبوبة الصحوة والرؤية الواعية للأسف الشديد رغم كل حبي وعشقي الذي يروي شغفه تعز الحالمة النائمة على جمر الانتهاك ، لكن تحتم عليا المصداقية الحديث بموضوعية وحياد ومن دون تعصب فلم احقن بالتخدير بعد.. فمن المعلوم أن تعز بها من المثقفين الحاصلين على الشهادات العالية لكنهم لايزالون يسبحون بحمد شيخ القبيلة والأبشع من ذلك تراهم يحملون السلاح وراء شيوخهم الأميين المسيرين أصلا من الإمبراطور الأعظم ويبررون غوغائية بعض القبائل وتابعيتهم لهم ربما خدرونا بالتسمية بأننا عاصمة الثقافة فنسينا أننا مثقفون فعلاً. ختاماً لا فائدة من هيكلة الجيش قبل هيكلة القبيلة التي بايعت الإمبراطور ولن تنقض المبايعة أبدا واعتقد أن بعض المناصب أبديه تستمر لعقود من الزمن لا تنتهي بموت شيخ القبيلة بل يتوارثها الأبناء وأبناء الأبناء من بعده ورغم أننا نئن منهم ومن قهرهم واستبدادهم وجبروتهم فقد تم الاتفاق غالباً بعقد شرعي كتبته القبيلة وشهد عليه أصحاب المصالح والمثقفون المرتزقة والقياديون الطامعون في السلطة. عفواً حتى أبني دولتي المدنية ارفض أن يقودني شيخ أمي عشقه السلاح وهوايته المفضلة استخدامه على الشعب بأكذوبة بناء الدولة المدنية الحديثة التي هو لا غيره يرفضها كما يرفض الموت لأنها تعني نهايته ولاتقودني قبيلة تسفك الدماء وتقتل الشعب وتتاجر بأرواحنا منذ عهود بقناع زائف ومفضوح اسمه الانضمام إلى الثورة، ونحن نسير باتجاه عمودي إلى الأسفل وننحت لنا في قعر الرجعية والاستغفال أخدوداً ندفن به بقايا حلم الشباب الطاهر في بناء دولة مدنيه حديثة . *مدرس مساعد كلية الحقوق جامعة تعز رابط المقال على الفيس بوك: http://www.facebook.com/photo.php?fbid=465195396852874&set=a.188622457843504.38279.100000872529833&type=1&theater