أشرنا في مقالات سابقة إلى أن ما يحدث في مصر يؤثر تأثيراً مباشراً على مستقبل الأحداث في كثير من البلاد العربية و خاصة ً اليمن و عللنا ذلك بسبب الدور الثقافي المصري الذي قام به المصريون أثناء وبعد ثورتي سبتمبر وأكتوبر المجيدتين . وأكدنا في مقال آخر أن قيادات الأخوان المسلمين في مصر أوقعوا انفسهم في بعض الأخطاء السياسية الأمر الذي هز صورتهم لدى العالم , بل وأشعرتنا هذه الأخطاء أنهم مرتبكون ومترددون في إصدار قرارات شجاعة تنهي الأزمة السياسية الحالية . كل ذلك أوقع مصر ( أم الدنيا ) بهذه المسرحية الهزلية حيث انقسم ثوار 25 يناير واتحدت المعارضة التي كانت بالأمس القريب على خلاف كبير , وانقسم القضاء المصري الذي كان مشهود له بالكفاءة و النزاهة . و السؤال الآن ما السيناريوهات المستقبلية المتوقعة للواقع السياسي في مصر ؟ قبل الإجابة على السؤال لا بد أن نشخص الواقع السياسي في مصر الذي يتمثل بتراجع الرئيس مرسي ثلاث مرات عن قراراته خلال فترة قصيرة وتصميمه أخيراً على الاستفتاء على الدستور في موعده يوم 15 ديسمبر الحالي ورفض المعارضة رفضا ً قاطعا ً لهذا الاستفتاء حتى يتم إعادة النظر لهذا الدستور . إذا ً مصر تعيش اليوم في شعب منقسم بين المعارضة و الإخوان المسلمين ودستور غير متفق عليه وقضاء بعضه يرفض المشاركة في الإشراف على الاستفتاء و البعض الآخر يوافق , وأمن ضعيف لم يتعاف بعد و جيش يبدو أنه منقسم على نفسه أيضا ً , هذا هو الواقع الآن فما هو المستقبل السياسي في مصر ؟. إن الوضع السياسي في مصر يتجه نحو تحقيق أحد السيناريوهات الثلاثة التالية : السيناريو الأول (الممكن): و يتمثل في تأجيل موعد الاستفتاء على الدستور و العودة الى اللجنة الستورية مرة أخرى للاتفاق على بقية المواد الدستورية المختلف عليها , و هذا لن يتحقق إلا بمزيد من الضغط الشعبي على الرئيس مرسي ونظامه , عن طريق حشد المعارضة للجماهير الغفيرة في الميادين و الساحات خلال الأيام القليلة القادمة . وهذا إن تم فسيكون له تداعيات أهمها : - تحقيق المعارضة لنصر سياسي كبير يدعمها في انتخابات الرئاسة القادمة . - مزيد من الاهتزاز السياسي للرئيس مرسي وقادة الاخوان المسلمين و إظهارهم بأنهم لا يملكون القدرة على القيادة. - عودة الهدوء الى الشارع المصري . السيناريو الثاني ( الحذِر) : و يتمثل في تصميم الرئيس مرسي على الاستفتاء في موعده بدون تقديم أي تنازلات , و سيقابله بلا شك تصميم المعارضة على موقفها الرافض للاستفتاء , وهذا سيؤدي إلى تداعيات كثيرة أهمها : نزول الطرفين الى الشارع لكسب الجماهير للتأييد أو الرفض . ستكون نهاية هذا المشهد لصالح الطرف الذي سيحشد جماهير أكثر و قادراً على إقناعها بموقفه. إذا تم الاستفتاء على الدستور وتم الموافقة عليه بأغلبية فلن يكون الوضع السياسي بأفضل حالا ً من الآن بل ستدخل مصر حلقة جديدة من الصراع السياسي الطويل . أما إذا تمت عدم الموافقة على الدستور فستكون النتيجة واحدة مما يعني مزيدا ً من الاحتقان السياسي . السناريو الثالث ( المتشائم ) : ويتمثل في أن الأحداث السياسية في مصر قد تتطور سريعا ً قبل الاستفتاء أو بعده فتدخل مصر بعصيان مدني ومظاهرات هنا و هناك و صدامات , وغياب العقل والحكمة و اللجوء الى السلاح والاقتتال , وهذا سيكون له تداعيات خطيرة أهمها : إعادة النظر بثورة 25 يناير و أهدافها . خلق انطباع لدى الجماهير العربية في دول الربيع العربي أن الاخوان المسلمين غير قادرين على قيادة الدولة , وأنهم لا يملكون مشروعا ً سياسيا ً قادرا ً على التعامل مع الآخر بحكمة وعقلانية . . العودة الى حكم المجلس العسكري الذي لن يسكت حين يرى الشعب يتقاتل. وخلاصة القول : لا نتمنى لمصر العظيمة أن تصل الى السيناريو الثالث , بل نتمنى أن تغلب الحكمة على القادة السياسيين في مصر و عدم الدفع بالواقع السياسي الى ما لا يُحمد عقباه , ونتمنى أن يُقدم الجميع التنازلات والتضحيات السياسية مهما كانت مُرة , من أجل نجاح ثورات الربيع العربي ومن أجل الشعب العربي المصري والشعوب العربية التي تحلم بغد ٍمشرق تسوده العدالة والحرية والمساواة . رابط المقال على الفيس بوك