إنه الرضى عن النفس فخذ بيدي ...شكراً الصحة تاج على رؤوس الأصحاء ونعمة لا يقدر قيمتها إلا من فقدها ،والمعاق هو المعاق نفسياً غير القادر على البذل والعطاء . رأيت ذلك أمامي، كانت تقعد على كرسي طويل داخل عيادة الطبيب، رجلاها مثنيتان تحت جسدها بطريقة تشعرني بالتعب. كانت غرفة الانتظار مكتظة بالنساء وبعض أطفالهن، تأملتها محدثة نفسي: ما بالها معلقة هكذا دون حراك! يبدو من ملامحها أنها في الخامسة والثلاثين من العمر متوسطة الجمال، ملامحها مريحة يعلوها الحنان، مرحة ظلت طوال الوقت تداعب الأطفال المتواجدين في العيادة، لم تترك أحداً إلا وتعرفت عليه، كانت ترافق والدتها الى الطبيب . لم تدع مريضة إلا ومنحتها الأمل وقدمت لها النصيحة بحكم تجربتها مع مرض والدتها. العيادة مزدحمة، والأطفال يبعثون على الضيق بدخولهم وخروجهم وهي ساكنة لم تتحرك ..استغربت :ألم تتعب ركبتاها ! جلستها بهذا الشكل أثارت فضولي. جاءت الممرضة ونادت على والدة صاحبة الجلسة الطويلة فجأة رأيتها تنحني تحت الكرسي الطويل ساحبة عكازين، اتكأت عليهما وأمسكت يد والدتها مرافقة لها الى غرفة الطبيب بعد أن ألقت علينا التحية وهي مغادرة. ذهلنا جميعاً إذن هي تعاني من الشلل ولم نلحظ ذلك ! كان إيمانها أقوى منا جميعاً ونحن نشكو إليها مرضنا وألمنا، وهي تحفزنا على الصبر والأمل ،وأن نحمد الله تعالى على ما ابتلانا وأن نثابر على التداوي ،ولم تشكُ من ألمها، لم تشكُ من الشلل الذي أصابها متى وكيف تمضي بها الأيام، ذهبت وتركتنا نسأل... كانت أعظم منا جميعاً رغم إعاقتها.. تذكرتها وأنا في ميدان السبعين مع تلاميذ مدرستي عند ذهابنا لنشارك ذوي الإعاقات الذهنية «مارثون الأولمبياد الخاص».. تذكرتها وأنا أرى هؤلاء الأطفال ومدى عظمتهم أمامنا وهم يتسابقون بإصرار للوصول الى الفوز.. تذكرتها وأنا أراهم في قمة السعادة ، والبسمة تملأ قلوبهم فرحين بيوم نشاطهم.. اطمأنت نفسي وأنا أرى المجاميع الكبيرة من المتطوعين وهم يتنافسون لإنجاح هذا اليوم. كم نحن بحاجة إلى أن نمد يد المساعدة لهذه الفئة .... كم نحن بحاجة إلى إدخال الفرحة إلى قلوبهم... كم نحن بحاجة أن نندمج معهم في آلامهم وأفراحهم... كم نحن بحاجة أن يشاركونا أيامنا بأنشطتهم... إن الرضى عن النفس غاية قلّ من يدرك أهميتها، والعمل التطوعي يضيف لصاحبه الكثير ،إن العمل التطوعي في اليمن مازال في أضيق الحدود، لم ندرك أهميته وقد سبقتنا دول كثيرة في جعل العمل التطوعي جزءاً من الحياة اليومية أو الأسبوعية . وصممت أن أفتح للعمل التطوعي في مدرستي باباً لتلاميذي ليمدوا يد العون لذوي الاحتياجات الخاصة ... وليحسوا بقيمة ما وهبهم الله من نِعَم ... ويصلوا إلى الرضى عن النفس وهم يرسمون البسمة في وجه محتاج ويشاركون في نشاطاتهم.... ليكونوا لهم اليد والرجل والعين التي تبصر... كان يوماً عظيماً أحسسنا أننا نحن من يحتاج إلى هؤلاء الاطفال.. فمعجزتهم أظهرت مدى ضعفنا.. إنه الرضى عن النفس ،فخذ بيدي...شكراً