هُنالك قوائم مُطولة من التناقضات بين قوى الثورة وهذه التناقضات دائما ما تظهر على شكل احتدام بعد حالة الانجراف القصوى لاقتلاع شكلية أي نظام سياسي في أي بلد كان . ودائما ما يُذكرني هذا برائعة الكاتب الجزائري الطاهر وطار في روايته (اللاز)) التي تُعالج هذا التناقض والصراع بين الثوار إبان حالة الغليان خاصة عندما ذُبح بعض الشيوعيين في الجزائر إبان الثورة بسبب انتمائهم الأيدلوجي كنتيجة نهائية لحالات الاستفراد في لُغة الثورة والتخوين وما نتج عن ذلك من الاحتدام في أيدلوجيات الصراع وتطوره إلى جُملة اعتراضات تطورت حتى وصلت إلى استخدام العُنف لتحقيق بعض المآرب والأهداف الخارجة عن سرب المطالب الوطنية . فمن لا يؤمن بحق الغير في التنفس بأكثر من طريقة وبأكثر من منهاج فكري فإنه يُمارس ديكتاتورية أي عهد جديد كاستثمار عدمي يأخذ حيزاً أوسع بتراجع منظومة أي قيم ثورية حقيقية للأسف وهذا ما يحدث في مُجتمعاتنا العربية آنيا . وهذا العنف أدى إلى تضارب المصالح واهتزاز الشُعور الوطني وما مثله ذلك في شخصية بعطوش الثائر الذي فضل قتل خالته حيزيه وما حصل بعد ذلك من تشريد لأغلب القوى خارج سرب الثورة وذبحهم . فالثورة تُعتبر رحلة إنسان إلى عالم من القيم بخيارات أفضل وأوسع واشمل وأكثر قُدرة على استيعاب كُل مُخرجات الماضي بحاضر ممزوج بصرخة مُناضل وثائر ينظر إلى الغد بعقلية مُتحررة من كُرسي الحُكم . أن ترتحل إلى عالم قيمي بأفكار قداسة ثورية معنى هذا أن النُضج في الشراكة الوطنية وتحمل أعباء زمن وماضي سحيق بحثا عن حاضر مؤدلج يؤمن بحق كُل قوى في تمثيل نفسها وبالشكل المعقول خاصة القوى التي تحمل أدبيات فكرية وثقافية قادرة على تمثيل البلد وصُنع إرادته بأفضل النتائج المُمكنة . إن المجازر والمذابح التي تتولد وتتمخض عنها قوى حاكمة بالتأكيد سوف تكون مُصابة بزهايمر وشلل التبعية والتفرقة التي تقود إلى فكفكة أزاميل الثورات وتحويلها مرة أخرى قناعاً يُلبس دون أي ابتسامة حقيقية قادرة على منح الآخرين حقهم في التعبير عن أفكارهم ورؤاهم الثورية والوطنية . ومن هذه الرؤية الثاقبة لأي عصر ثوري خاو من الأفكار أخذت اللاز حيزاً عالمياً كبيراً وتُرجمت إلى عشرات الُلغات الأجنبية وتُدرس في بعض الجامعات العالمية إلى جانب بعض أعمال مكسيم غوركي وبعض الأعمال العالمية الرائعة . ف اللاز هو أنا وأنت وكُل الناس في نفس الوقت لا يُمكن أن يكون غير ذلك فنراه في كُل زمن مازال يُردد عبارته الشهيرة ((ما يبقى في الوادي غير حجارة) . وما يبقى بعد كُل ثورة إلا أفكارها وتوجهاتها ورؤاها الحقيقية القادرة على انتشال الشُعوب من حالة الضياع إلى تمثيل أفض برؤى سياسية أوسع وبخيارات أقوى . بالفعل لقد قال بعطوش في الرواية ((وهكذا يتحول شُهدائنا إلى مُجرد بطاقات في جيوبنا نستعرضها أمام مكتب المنح كُل ثلاثة أشهر في انتظار المنحة القادمة)). حقا وحقا أن تُباع جبهة ثائر وشهيد بحُفنة جنيهات ليس هذا هو الهدف الأسمى من كُل ثورة تندلع بحثا عن عزة وكرامة وغد جميل . [email protected] رابط المقال على الفيس بوك