هكذا قلت وأنا أدخل ذلك المكان، الذي يختلف فيه كل شيء عما يجب وعما يمكن لنا تخيله.. كانت ترقد على أحد الأسرة وهي تستغيث وتصرخ وتولول: أرجوكم شربت حبة غلط، أمعائي تتقطع، أرجوكم أغيثوني..يا دكتور ..يا ممرضات. لا حياة لمن تنادي وأمثلتها على باقي الأسرة كثير، وأنا واحدة منهم، كان زوجي يحمل ابنتي الرضيعة التي تبكي من الجوع، وأنا يتقاطر الدم من معدتي لكني صمت عندما رأيت تلك المناظر أمامي. الطبيب يلاحقه المرضى باختلاف أشكالهم وأعمارهم، الطبيب يبحث عن ورقة وقلم ليكتب عليها ما يسميه دواءً، أو بالأحرى مسكناً، وليته مسكن صحيح ، تلك الهندية الممرضة الوحيدة، وليتها من بني البشر، فقسماً بمن رفع السماء أنها تبدو كذلك المارد الذي يخرج من المصباح لكنه يشع خبثاً وقسوة، تستقبل المرضى بالخرس، وتتحرك بدون أي إحساس أو شفقة، تغرز الإبر في أيدي المرضى بكل وحشية، كما لوكنا في معتقل جونتانامو، ومن يتألم أو يحدث أي ضجة فويل له، ما زالت أناملها الحانية مطبوعة على ساعدي. و ما يقدم للمرضى، ليتك كإنسان ترى فلولا عناية الله بنا كشعب مظلوم.. مقهور.. يعاني بصمت لكنا جميعنا مجانين، صغاراً وكباراً، فالإبرة التي صرفها الطبيب لي كمسكن أوقفت نبضات قلبي، ولولا إرادة الله لي بالحياة لكنت الآن أكتب مع الملائكة، فهذه الإبرة لا تعطى إلا بعد الخروج من العمليات الجراحية، وللحالات المتأزمة، وعلى الرغم من كوني متعلمة ولديّ معلومات طبية، لذلك قرأت الإبرة، وتوسلت للهندية ألا تغرزها في وريدي، لكن جزائي كان ذلك الجزاء، وكأنها لا تسمع ولا تعي شيئاً، سألت نفسي: إذا كان هذا بي وأنا من تعلمت ودرست فكيف بمن حولي؟!. لكن إرادة الله هي من تبقي على حياة اليمنيين بأعجوبة، فمن يصدق أن تلك الأسرّة يرقد عليها بشر، وأن ذلك الوضع يصلح لاستقبال حالات آدمية، فأين الصحة، أين المسؤولون وهل ذلك وضع يصلح أن نسكت عنه هكذا وبدون أي مقدمات.. ومن المسؤول عن ذلك الوضع.. من..؟! الطبيب أم الممرضة، أم أنهم جزء من الحلقة المفرغة التي ندور جميعاً فيها، ونموت بذلك الشكل البهيمي ونحن نسأل من المسؤول، من المسؤول عن ذلك الوجع، وعن طبيب لا يحمل حتى ورقة وقلماً ليكتب روشته إسعافيه، وربما كان ذلك من رب العالمين، لأن الطبيب لو كتب، سيكتب إبرة كالتي كتب لي، وقد تودي بحياة إنسان لا ذنب له إلا أنه وصل لطوارئ معبر. رابط المقال على الفيس بوك