قد لا أستطيع تقدير مدى بُعد الفعاليات والحركات والأحزاب المكونة للمشهد السياسي عن مهمة استشعار المسؤولية الأخلاقية والمصلحة الوطنية في أدائها السياسي بشقيه الأبرز الخطاب / السلوك؛ لكن ذلك لايعني أن لديّ أية موانع أو تحفظات للجزم بأن غالبية أطراف الصراع السياسي تبدو بعيدة عن استشعار هذه المهمة لدرجة أن بعضها لايستوعب في أدبياته أبجديات مضامين المسؤوليات المصاحبة للعمل السياسي , والملزمة لكل من يشتغل في حقل السياسة فرداً كان أم منظمة ,أم حركة .أم حزبا! يبرز هذا التحليل البسيط كتفسير وحيد لإفاقة غالبيتنا الأسبوع الماضي على عملية تزوير فاقع للتاريخ عبر قيام شاب ثلاثيني من محافظة صعدة بادعاء انتسابه المباشر لرسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ,وتوجيه عدد من وسائل الإعلام الممولة إيرانياً بالترويج لهذه الكذبة السخيفة والعمل على ترسيخها في أذهان البسطاء والغلابى ! ربما أن أحداً لم يتوقع الأمر , وبالفعل فقد كانت المفاجأة مدوية على النحو الذي بشرتنا به جماعة عبد الملك الحوثي قبل ساعات قليلة من بدء فعاليات المولد النبوي الحوثية, بيد أنني شخصياً لم أستبعد الأمر منذ البداية فقد أبقيت على سقف توقعاتي مفتوحاً لكل الاحتمالات بما يعني أنني كنت على استعداد لأن أحتمل مفاجئة من قبيل أن تدعي وسائل إعلام الحوثي بأن زعيم جماعتها هو نفسه ( ... ) دون أن أشعر بالصدمة أو تهتز من رأسي شعرة واحدة ! ثمة ما يستدعي التأكيد على أن المشهد كان فظيعاً ومقززا يومها, فإقحام رسول الله في حلبة الصراع السياسي من قبل طرف معين ضد أطراف أخرى مناوئة بغية الابتزاز وتحقيق مكاسب سياسية ضيقة يعد غاية في الصفاقة والوقاحة والانتهازية الرخيصة! صحيح أنني لم أتابع برامج الفعاليتن اللتين أقيمتا أواخر الأسبوع الماضي في محافظتي صعدة وجنوبصنعاءمسقط رأس الرئيس السابق “ صالح “ لسبب بسيط يتمثل في كوني ألفت فعاليات الحوثي وصالح وسئمتها في آن؛ لكنني بالطبع تابعت معظم الأصداء الإعلامية المرافقة للفعالتين ما أعطاني انطباعًا بغلبة الطابع السياسي للفعالتين على كونهما أقيمتا للاحتفاء يميلاد خاتم الخلق محمد صلى الله وعليه وسلم ! لعل تلك كانت طعنة أخرى تلقتها خاصرة محمد بن عبد الله إلى قبره بعد الطعنة التي سددت له عبر تنسيب جماعة إرهابية مسلحة تمارس القتل والحرابة وتروع الآمنين وتقيد حريات الناس وتعذبهم وتنكل بحياتهم شر تنكيل له ولآل بيته الكرام. لقد تمكن صالح من إيقاع الحوثي في شراك الانتشاء القائم على أعمدة خاوية وجوفاء عبر تسهيله لفعالياته والدفع بتكثير سواد الحضور خصوصاً في جنوبصنعاء حيث قوة نفوذ الرجل ليصعد الحوثي على منصته مفعمًا بالزهو والغرور ويوزع على الحاضرين صكوك الايمان دون أن يدري تماما أن غالبية هؤلاء لايؤمنون بشيء خارج الحسابات المادية التي عودهم صالح عليها, وأنهم بالأساس ما حضروا من أجل الاستماع لما سيقولوه “حفيد رسول الله” بقدر معرفتهم بأن حفيد رسول الله المزعوم غدا الحليف الأبرز لإمبراطور المال صالح والمندوب الحصري للريال الإيراني العابث في اليمن! ربما هذه الفترة بمثابة “العصر الذهبي” للمشاريع الداخلية المسلحة لكي تعود إلى رشدها وتقلع عن نهج العنف والتمرد والغطرسة, لكن جماعة الحوثي التي تتصدر قائمة هذه المشاريع ترفض اقتناص هذه الفرصة وتستنفد تدريجيا صبر الشعب .. ومن يدري فلعل يوماً يأتي سيتمنى فيه الحوثي لو أنه ما ادعى زوراً انتسابه لرسول الله , ولا استعان بصالح في تحديه للشعب وتمرده على النظام والقانون! [email protected] ربط المقال على الفيس بوك