هُنالك مُغريات عابرة تُصيبنا بتموجات نحلم معها بهلوسات غرامية لا تتكافأ مع أي ولاءات سرية أو حتى مع حالة التجاذبات التي تضربنا من الأعماق. فالعبث من الداخل يتوازى أحياناً مع التضاربات الخارجية، وإلا لا معنى للحب في حضرة هذه التضاربات, لا معنى لما نقوله إن لم يوجد له نقيض يعيدنا إلى التراجع عن كُل ما لم نستوعبه أو نفهمه يوماً ما. فالحُرية تُصاب بعُطل دائم وحالة جُمود بسبب عدم تقبُلها في مُجتمع يحترف سياسات لا يُمكن أن تتطابق مع حُلم الإنسان وثقافته وجذريته وأرتاله التي تعي أن أية حالة خُروج عن النص والمقص القبلي والسياسي المُحدد يعني الموت المحتوم. عليك أن تأخذ احتياطاتك وحذرك الموصول, أن تعرف جيداً أن التواطؤ مع حالة الفرح أو الهزيمة تعني تراجعاً في منظومة قيمك وخبراتك التي اكتسبتها من أُمهات الكُتب. يجب أن نُقرر ما يعني الحُب في حضرة الغياب؟ ماذا تعني الفكرة في مُجتمع لا يتقبلك؟ ماذا تعني الثورة إن كان المُجتمع مُصاباً بمس ديني وشيطاني خبيث؟. علينا أن نقرأ حرائقنا الداخلية, أوطاننا التي تحترق في لحظات, أن نعي أن التغيير لا يُمكن أن يتحول إلى رمز الباستيل؛ لأننا أدركنا جيداً نقيض مُجتمعنا مع حالة الفراغ والقانون..فهُنالك قوانين تذبحك بفسادها, هُنالك ثورة تسلبك لُغتك وتُجردك من حُريتك التي منحتك إياها ظُروفك الخارجة من تابوت الحُريات. عندما نُقرر أن حالة الوعي مُمكنة يعني هذا أننا في طور التعافي من أزماتنا الاقتصادية والسياسية ونزيفنا الداخلي. وعندما نرى أن تصادمات الحياة التي نعيشها بشكل يومي يُمكن تأويلها إلى وضعها الديني ونفرزها بحُكم اختلافنا التاريخي؛ كي نعيد عبثية الزمن من جديد ونمنح أنفسنا لعنة أبدية ندرك حينها أننا مُجتمعات في طور التحلل والتجرُد من كُل قيم الحياة والإنسان..ندرك جيداً أن الأديان وُلدت بعد الإنسان بل وُلدت لخدمته وتطوير شكلية حياته كي تُوصله إلى مراحل مُتقدمة في التفكير وأن يعي ما يدور حوله. لم أكن أتوقع أن تتحول يافطات الحياة وشعارات السياسيين التي ظننتها أنها مُغطاة بشوكولاته فرنسية أو بحليب دانمركي مُكثف، لم أكن أتصور أنها مُغطاة بعفن حامض ينتهك كُل مقدرات الحياة ويضرب في الأعماق كي يسلبك مواطنتك ويمنحك إرهاباً دائماً ينتهي بمقتلك ومقتل فكرتك إلى الأبد. أن تتواطأ مع عواطفك يعني أنك مُصاب بخلل لا يفهمه غيرك, أن تتعامل مع الواقع من حُكم وقانون وحُرية ومساواة تُتهم بأنك عميل وعلماني وربما حقير وأخبل..والدي دائماً يُحذرني من حالة التواطؤ هذه فأتهمه أحياناً بأنه من جيل لا يفقه من الحُرية غير المحراث ورُبما مسح البندقية بالزيت وأحياناً أقسو عليه بأنه وأبناء جيله لم يحققوا لنا غير حُكم قبلي وميراث ثقيل نحتاج مئات الأجيال كي نتخلص من عاداته..لا أفهمه إلا في أوقات صعبة, في الأوقات التي أعرف أن مفهوم التواطؤ يعني شيئاً من الحُرية ولو كانت مُصطنعة أو مُصابة بحُمى سنحانية أو بغثيان حاشدي. النور الذي تراه في قلب غيرك رُبما هو مُصاب بحالة إدماء أيضاً وربما بإشعاع مُضر مُجرد أن تزيل عنه الأتربة يتحول إلى ظلام دامس أو هو مُجرد هُدهد ميت تراه كي تبتسم وتتأمل كم أنت مُحتاج لأرتال في المُستقبل كي تنتصر لهُدهد ميت لن يعطيك سوى رأس عابس وجامد؛ لأنه ميت, لأنه لا يجيد الحياة. عليك أن تعي جيداً بأنك أنت من يُجيد الحياة, من يُداعب الحُلم, أنت من يعطي وأنت من يتقبل مرارات الهزيمة، وأنت من يعرف قيمة التواطؤ ومن يدفع الثمن، وأن قلبك هو القلب القادر على الخفقان في حضرة أية فجيعة قادمة. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك