في بلد مثل اليمن يزخر بالكثير من المعايير السمجة في استجلاب الأحكام أياً تكن درجة ارتباطها بالوطن والإنسان طالما هناك القوالب المتخمة بانتفاخ الذات وانفتاحها في ذات الوقت على العلاقة الطردية مع المصلحة الذاتية المحضة والأنا المتفلتة من كل قيم الإنصاف وأشياء أخرى لا تعدو كونها مصطلحات للاستهلاك اليومي في خضم السجال المحتدم حول من يملك ناصية الحقيقة المطلقة. في الأمس تفاخر جماعة (الحوثية) بأنها أطلقت سراح العديد من معتقليها في معتقلات مدينتهم الفاضلة (صعدة) عملاً بنص الآية (فاعفُ عنهم) بمناسبة ذكرى مولد النبي الأعظم محمد عليه الصلاة والسلام ، لا أحد تساءل يومذاك عن هذا الانسلاخ المفزع عن مسوغات تلك الاعتقالات وشرعيتها عن مجافاة ذلك الطيش لكل العويل الذي أصم آذاننا عن قيم الحرية والعدالة التي تحشوها تلك الجماعة لمريديها في مخازن الكلاش .. عنعنات كثيرة أصابتني بالحيرة عن تفسير كنه البعد الوطني وحتى الإنساني الذي اعتمدته جماعة الحوثي وهي تنشر محاكم التفتيش في كل شبر تقع تحته نفوذ الصرخة، تعتقل وتصدر الأحكام وتنفذها وتصفق لنفسها بصفاقة قل أن نجد لها مثيلاً. كيف لا وهناك من يهتف لتلك المراهقات التي ترتكبها جماعة أنصار الله بكل قدراته الصوتية ويأتي يُنظر عن حقوق الإنسان واحترام الآخر وعن قيم الأممية والحداثة الموبوءة بدخان الرعب والموت التي تنشرها جماعة الموت العابر للقارات. مشهد آخر؛ حراك علي سالم المنادي بتقرير المصير أو فصل الجنوب (الذي تعرض لويلات القتل والنهب والظلم) يصرح قيادي فيه ويحذر الإخوان المسلمين في عدن من إقامة أي فعالية وحدوية، التحذير يحمل فيه الكثير من الرعب والموت أيضاً وعودوا إن شئتم إلى الوراء قليلاً تحديداً إلى الواحد والعشرين من فبراير من العام الماضي لتعرفوا عن أي تهديد أتحدث. وبالمناسبة فلفظة الإخوان المسلمين أو الإصلاح أو جماعة حميد الأحمر هو اختصار درجت عليه جماعة تقرير المصير لوصف كل من تسول له نفسه أن يكون في الجهة المتاخمة لجبهة الجنوب العربي المظلوم و و و إلى آخر (الليستة) التي بإمكانك أن تحفظها بمجرد استماعك لقناة عدن لايف لمدة لا تتجاوز الدقيقة. لا أحد يأبه لذلك أيضاً ولن ينبس أحدهم ببنت شفة أمام كل هذا، فالمعايير لا تتيح لجماعة الحرية والحداثة الولوغ في هكذا عنف، ذلك أن المعني بهذا التهديد ليسوا من ذات المدرسة الحداثية إياها. المشهد الأخير؛ عندما نشر عارف الصبري كتيبه الأخير والذي عرج فيه لقضية الحوار واجتزأ مما قاله ياسين سعيد نعمان عن الحوار ، مع اختلافي شخصياً يومذاك مع طرح الصبري جملة وتفصيلا. رأينا كيف ولولت الحرية والحداثة والديمقراطية، كيف انبرى الكثير من الكتبة للتصدي لهذا الخطر الداهم والمحدق بكل قيم الثورة والمدنية، كيف تحولت هذه القصة إلى مزار يفرغ فيها أولئك عبارات الويل والبثور وعظائم الأمور في حق تلك الرجعية والأحفورية الفكرية، مع أن القضية لا تخرج عن شوية أسطر لم ترق للبعض وأنا منهم. وباستقراء بسيط لكل تلك المشاهد ، سنخرج بتفسير لكل هذا العبث والتخبط الذي تعيشه تلك النخبة، سندرك ما معنى ذلك التخبط والعشوائية التي تعصف بالبلد حتى التخوم. "وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا". [email protected] رابط المقال على الفيس بوك