لا أحد يرغب في تخفيف حدة الشحن الفكري والعصبوي الذي ينهش من كيان الوطن المتخم أصلاً, وليس ثمة بوادر لأفول ذلك النزق المتفلت من قيمة الاعتراف بالآخر كجزء أصيل في التركيبة الفسيفسائية للمجتمع, الكل ضد الكل, فرادى ومجتمعين, الجميع يتموضع بذاته وفكره على تل العاج, حيث الأحادية القاتلة وقداسة الفكرة والرأي (أنا أو الطوفان). الحمقى يتكاثرون بمتسلسلة هندسية تتعاظم ككرة ثلج متدحرجة من شاهق, بينما يكتفي الآخرون بالاندهاش من ذلك, الحمقى هم الأكثر شرهاً في تخليق الأعداء والأضداد, يصير الأمر بعد ذلك إلى متلازمة الهوس بكل ما من شأنه خلق بؤر للتطرف على أي الاتجاهات, ذلك الهوس في الانتفاخ المفاجئ واستجلاب طابوراً من الأكثر حمقاً للدهشة من كل ذلك النزق المنتفخ كبالون. بت أكثر قناعة بأن الأغلبية الكاسحة من طبقة النخبة المثقفة هم الأكثر انتفاخاً وسذاجة, الأكثر تصديراً للعنف والعنف المضاد, لديهم من الخبرة ما يكفي لتحوير خلافاتهم الفكرية والشخصية حتى إلى صراع الخير والشر, إلى هرمجدون النُبل والشياطين, حتى إن أحدنا يفكر ألف مرة قبل أن يدخل في مغامرة غير محسوبة العواقب في انتقاد تلك الفئة من البشر التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها, خوفاً من رتل الجوقة والأرجوزات التي تلتف حولهم, مجموعة من الفدائيين ستجعل منك في ظرف ثوانٍ كائناً يحوي الشر المستطير والتخلف والرجعية إلى نهاية (الليسته) إياها. أخشى هنا أن أسرد بعض النماذج إلى ما أشرت إليه حتى لا تعمل آلة (القصقصة) في اجتزاء تلك الإشارات, وإذا حصلت المعجزة وسلمت من المقص هذا, سأكون أمام لعنة أخرى أشد فتكاً من مقص الناشر, سينسى الجميع مشاريع الموت والرعب المنتشرة من الأطراف وحتى الأطراف، وسيتضامن الجميع ضد (شوية) كلمات, ستشكل لاحقاً الخطر الداهم الذي يهدد بتقويض عرى الدولة المدنية, وسيضع عصاً في عجلة التحديث, ويعرف الجميع قصة الشيخ عارف الصبري مع الدكتور نعمان. وبالمناسبة فهذه المرة الثالثة التي أعرج فيها على تلك القصة, لأهمس في آذانكم أن المبادئ لا يمكن تجزئتها ووضعها في كانتونات الأهواء والرغبة الجامحة لدى البعض في تصفية حسابات تاريخية, بقدر كونها منظومة متكاملة لا تقبل الانتقائية, تنتقد الباطل أياً تكن وُجهته ومعسكره، وتسند الحق مع أي طرف كان. أخشى – أيضاً – أن ينتقل عدوى الصراع الفراغي هذا لدى النخبة إلى ما دونهم, صراع الأفكار, العصبويات, الجهوية القاتلة. أن تتوسع تلك (المكارحة) إلى نطاق أوسع, على النخب المتصارعة أن تراجع حساباتها؛ فالاستمرار في تخليق كل تلك المتضادات لن يأتي بالخير على أحد, وسيكونون أول من يكتوي بناره قبل الجميع, الاستمرار في هذا العبث سيفضي إلى نهايات قاتمة ومرعبة, الاستقطاب الفكري الحاصل بالتأكيد لن يتحول البلد على إثره (مروجاً وأنهاراً) سيقود نهاية وخيمة, وعودوا إن شئتم إلى تاريخ الصراعات الفكرية في العالم العربي قبل الثورات. [email protected] رابط المقال على الفيس بوك