من يراقب المشهد السياسي الجاري في مصر، يدرك أن ما يحدث ما هو إلا مقدمة لما هو قادم، وربما يكون أكبر من أزمات يتم تجاوزها بقرارات حكومية. فمصر عبر تاريخها كانت وما زالت مركز التقاء و تصارع، ولنا في هذا استشهادات كثير في سجل الأحداث في الأعوام من 1805م حتى 1848م عمل والي مصر محمد علي باشا سياسات إصلاحية هدفت إلى إقامة دولة عصرية شملت إصلاحات عسكرية تمثلت في بناء مدارس حربية حديثة واستقدم عقليات من الغرب لتدريب الجيش المصري وإرسال بعثات عسكرية مصرية إلى أوروبا وعمل على قيام مصانع الأسلحة وكذلك الاهتمام بالأسطول البحري الحربي وصناعة السفن وكذلك إصلاحات اقتصادية في عدة مجالات. وقد أدرك الغرب بأن مصر لو سارت في هذا الاتجاه نحو التقدم سوف تصبح قوة لا يمكن تجاوزها في المستقبل وهذا يقف أمام مخطط الغرب الساعي للتوسع في المنطقة، فقد كان محمد علي باشا يطمح إلى ضم الشام إلى مصر حتى يمتد نفوذه إلى مناطق أوسع، وفي هذا يكون حلمه. بتاريخ 29مارس 1834م كتب القنصل البريطاني العام في الإسكندرية إلى حكومته قائلاً: (إن الدولة السياسية الموحدة مصر والشام التي تتشكل تحت حكم محمد علي تمثل قوة ضارة بمصالح انجلترا في الشرق الأوسط وخاصة إذا استقامت في مملكة منسجمة قوامها العروبة). كذلك كتب المستشار النمساوي مترنيخ بتاريخ 20نوفمبر 1834م إلى قيصر روسيا نيقولا الأول يحذره من مشروع محمد علي الهادف إلى الاستقلال وخلق دولة عربية قوية نفوذها ما بين مصر والشام. وعبر تاريخها المعاصر ظلت مصر هي المركز الأهم والمنهل المعرفي الذي سقى روافد الفكر والفن والتاريخ والأدب في العالم العربي . لذلك لم يسقط مخطط الشرق الأوسط الجديد مصر من حسابات التقسيم لأنها القوة التي يجب تدميرها حتى لا تعود إلى مكانتها الرائدة في العالم العربي، وكم يكون الوضع مرعباً لو حدث هذا الأمر. يقول الكاتب محمد ابراهيم بسيوني في كتابه “المؤامرة الكبرى.. مخطط تقسيم الوطن العربي من بعد العراق” الصادر في عام 2004م الصادر عن دار الكتاب العربي في القاهرة حول مخطط تقسيم مصر إلى دويلات:( ولم تستثن خرائط الصهيوني برنارد لويس دول المغرب العربي والدول العربية في افريقيا من حالة التقسيم الطائفي والعرقي ونجد في الخرائط تقسيماً واضحاً لجمهورية مصر العربية إلى ثلاث دويلات هي: 1 دويلة سنية في الشمال تشمل نصف الدلتا الغربي والساحل الشمالي وتمتد إلى ليبيا وعاصمتها الإسكندرية. 2 دويلة مسيحية في صعيد مصر تقسمها عرضياً ولها منفذان أحداهما على البحر الأحمر وعاصمتها أسيوط. 3 دويلة النوبة في جنوب مصر وشمال السودان. والغريب أن الخرائط تركت النصف الشرقي وفرع النيل الذي يصب في دمياط بعيداً عن التقسيم في إشارة إلى ضم سيناء وشرق دلتا مصر إلى الكيان الصهيوني ليتحقق الحكم القديم من النيل إلى الفرات حيث تؤكد الخرائط أن حدود الكيان الصهيوني سوف تشمل الأردن والدولة السنية في وسط العراق وشمال شرق مصر وشمال الخليج العربي. كذلك يؤكد الكاتب أسامة عبدالرحمن مشروع تقسيم مصر في كتابه “مؤامرات تقسيم الأمة العربية” الصادر عام 2011م عن مكتبة جزيرة الورد.. القاهرة ويوضح ذلك قائلاً: “مصر ومخطط لها أن يتم تقسيمها إلى أربع دويلات: 1 سيناء وشرق الدلتا، تحت النفوذ اليهودي ليتحقق حلم اليهود من النيل إلى الفرات. 2 الدولة النصرانية، عاصمتها الاسكندرية وممتدة من جنوب بني سويف حتى جنوبأسيوط واتسعت غرباً لتضم الفيوم وتمتد في خط صحراوي عبر وادي النطرون ليربط هذه المنطقة بالإسكندرية وتضم أيضاً جزءاً من المنطقة الساحلية الممتدة حتى مرسى مطروح. 3 دولة النوبة، المتكاملة مع الأراضي الشمالية السودانية عاصمتها أسوان تربط الجزء الجنوبي الممتد من صعيد مصر حتى شمال السودان باسم بلاد النوبة بمنطقة الصحراء الكبرى لتلتحم مع دولة البربر التي سوف تمتد من جنوب المغرب حتى البحر الأحمر. 4 مصر الإسلامية، عاصمتها القاهرة والجزء المتبقي من مصر ويراد لها أن تكون أيضاً تحت النفوذ الإسرائيلي حيث تدخل في نطاق إسرائيل الكبرى التي يطمح اليهود في إنشائها”. أما الباحث الأستاذ عبدالوهاب المسيري فقد طرح وجهة نظره في هذا الأمر وأشار قائلاً: “يمكن القول بكثير من الاطمئنان: إن الاستراتيجية الغربية تجاه العالم الإسلامي منذ منتصف القرن التاسع عشر تنطلق من الإيمان بضرورة تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات ثنائية ودينية مختلفة حتى يسهل التحكم فيه. وقد غرست إسرائيل في قلب هذه المنطقة لتحقيق هذا الهدف، فعالم عربي يتسم بقدر من الترابط وبشكل من أشكال الوحدة يعني أنه سيشكل ثقلاً استراتيجياً واقتصادياً وعسكرياً، و يشكل عائقاً أمام الأطماع الاحتلالية الغربية”. فهل ما يجري في مصر ما هو إلا بداية الملامح لهذا المشروع؟ والملاحظ أن المدن التي تقع على خط قناة السويس هي أكثر المناطق اضطراباً فهل هناك خطة لاحتلال القناة من قبل الغرب بعد مراحل من الفوضى وانهيار الدولة وربط الممرات البحرية من الخليج العربي إلى خليج عدن وباب المندب حتى قناة السويس ووضعها تحت الوصاية الدولية ويفقد العرب حقوقهم السيادية على هذه الممرات الهامة؟ إن المسائل الخطيرة لا تؤخذ بظاهر الأشياء، فالأزمات التي تتحول إلى صراعات تصبح عملية السيطرة عليها أو الرهان على تجوزها بفترات محدودة من الزمن، خديعة سياسية تفرق من استند عليها ومن برهان بالكلام على حصرها، وما يحدث في مصر أن طال أمده فلم نجد أنفسنا إلا أمام دويلات تتولد مثل القروح في الجسد لها من الجوع ما يفوق الجلد والعظم اما الفرد فيصبح موقعه حيث المذهب والعرق أما الدولة القومية ربما تكون من حكايات الماضي كما ذهبت عصور الخلافة والمجد، فهل نعرف حقيقة الفرق بين تغير النظام وتدمير الوطن؟ رابط المقال على الفيس بوك